قال: [حدثني زهير بن حرب حدثنا بشر بن السري -وهو المعروف بـ أبي عمرو الأفوه البصري، نزيل مكة وسكنها، طعن فيه برأي جهم، ولكنه اعتذر عن هذا الرأي وتاب منه- وعبد الرحمن بن مهدي قالا: حدثنا سفيان -وهو الثوري - عن سعد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، تفيئها الرياح، تصرعها مرة وتعدلها -أي: أخرى- حتى يأتيه أجله)] أي: حتى تيبس ويأتيها ميعاد حصادها، [(ومثل المنافق مثل الأرزة المجذبة التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة)].
وفي رواية: [(ومثل الكافر كمثل الأرزة)] بدل: (مثل المنافق)، والمعنى واحد؛ لأن المنافق كافر؛ لأنه أظهر الإسلام، أو عمل بمقتضيات الإسلام الظاهرة، ولكنه لم يعمل بمقتضياته الباطنة، بمعنى: أنه أبطن الكفر وأظهر الإسلام، وعمل بجوارحه، فظاهره الإسلام، ولكنه ليس مسلماً في الحقيقة.
قال العلماء: معنى هذا الحديث: أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله؛ وذلك مكفر لسيئاته، ورافع لدرجاته، مكفر لسيئاته إن كانت عنده سيئات، ورافع لدرجاته إن لم يكن عنده سيئات.
وأما الكافر فقليل الآلام في نفسه وأهله وماله؛ ولذلك تجد الواحد من الكفار، خاصة في أوربا أو أمريكا تراه مثل العجل، كما قال ربنا عنهم:{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}[المنافقون:٤]، فهو يمسك السندوتش بيده اليمين، والعصير بيده الشمال، والكوب العصير فيه حوالي خمسة لتر، حتى إنك تتعجب وتقول: هل يستطيع أن يشرب هذا الكوب كله؟ فقد ألفوا أن يأكلوا هذا السندوتش، وأن يشربوا هذا المشروب.
فهم في الطول، وجمال المنظر، وجمال الشعر والعين وغير ذلك بالمحل المعروف لدى الجميع، ولكن الله تبارك وتعالى حكم عليهم بأنهم قليلو الآلام في أبدانهم وأنفسهم وأموالهم وأهليهم، وإن وقع أو نزل بالكافر أو بالمنافق بلاء فإنه لا يكفر من سيئاته؛ لأن الكفر عائق دون الكفارة والكفر عائق دون تكفير ذنوبه، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة، وإذا كان في نعيم ففي مقابل عمله الصالح في الدنيا، فالله تعالى ينعم عليه حتى يأتي يوم القيامة وليس له أجر.