للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مرتبة الكتابة]

المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة، وهي تعني: أن الله سبحانه وتعالى كتب كل ما سيكون إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥].

وقال: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:١٢]، أي: في كتاب مبين، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر: (أن الله لما قضى الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي، أو إن رحمتي سبقت غضبي).

والشاهد: أن الله سبحانه كتب كل شيء كما في الحديث الصحيح: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء).

وكتب في الذكر أي: في الكتاب كل شيء، والإمام البخاري عليه رحمة الله تبارك وتعالى كان في غاية التوفيق عندما عقد باباً في كتاب القدر بعنوان: باب: جف القلم على علم الله تعالى، ولقد أمر الله تعالى القلم بالكتابة، فكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، كما في حديث عبادة بن الصامت، وفي حديث: (إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: وماذا أكتب؟) وهذا فيه نقاش وجواب وكلام بين الله عز وجل وبين القلم، (اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة).

وأكد الله ذلك في القرآن الكريم، فنص على أنه كتب كل شيء، فقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:٢٢].

فقوله سبحانه: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ) أي: إلا في كتاب قد سبق أولاً، وهو مكتوب، فكل مصيبة أصابتك في نفسك أو ظهرت في الأرض أو البر فإن الله عز وجل قد كتبها في كتاب، ((مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا)) أي: من قبل أن نخلقها، ((إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)).

وجاء ختام الآية هكذا حتى لا تضل العقول وتظن أن هذا أمر صعب أو مستحيل.

فالله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ومن ذلك كتابة ما سيكون، وهو أمر يسير على الله تبارك وتعالى الخبير العليم، ((إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)).

والكتابة كتابتان: كتابة لا تتبدل ولا تتغير، وهي المكتوبة في اللوح المحفوظ عند الله عز وجل، فلا يلحقها محو ولا إثبات، وأما الذي يحدث فيه التغيير والتبديل فهو الكتاب الذي مع الملائكة، ولذلك قال الله عز وجل: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:٣٩].

فقوله: ((يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ)) هذا في الكتب التي مع الملائكة، وأما أم الكتاب فليس فيها محو ولا إثبات، ولا يلحقها المحو والإثبات.