قال: [حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري ومحمد بن العلاء الهمذاني -واللفظ لـ أبي عامر - قال: حدثنا أبو أسامة حماد بن أسامة عن بريد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر -إذاً: فهذه تسمى سرية- بيننا بعير نعتقبه)] أي: نتعاقب عليه وكل منا يركبه فترة.
وفي هذا: جواز هذا الصنيع ما دامت الدابة مطيقة وغير متضررة.
قال: [(فنقبت قدماي -أي: دميت أو تشققت وكلّت -وسقطت أظفاري) ولك أن تتصور شدة الجهد الذي بذله أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، حتى نقبت وتشققت أقدامهم من المشي في الصحراء الحارة الرمضاء.
قال: [(فكنا نلف على أرجلنا الخرق -وهم هؤلاء الذين نصر الله تعالى بهم الدين- فسميت غزوة ذات الرقاع)] وهذا أقوى الأسباب في تسميتها بذات الرقاع، كان معهم رقع من الجلد أو خرق القماش لفوا بها أرجلهم؛ ولذلك سميت الغزوة بغزوة ذات الرقاع.
قال: [(لما كنا نعصّب على أرجلنا من الخرق.
قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك).
وقال: ليتني لم أحدث بهذا، من باب ستر العمل الصالح وعدم إفشائه؛ حتى يكون بين العبد وبين ربه.
قال:(كأنه كره أن يكون شيئاً من عمله أفشاه) قال أبو أسامة: وزادني غير بريد والله يجزي به].
قال الإمام النووي:(في هذا استحباب إخفاء الأعمال الصالحة، وما يكابده العبد من المشاق في طاعة الله تعالى، ولا يظهر شيئاً من ذلك إلا لمصلحة، مثل بيان حكم ذلك الشيء، والتنبيه على الاقتداء به فيه ونحو ذلك، وعلى هذا يحمل ما وجد للسلف من الإخبار بذلك).
أي أنهم كانوا يعملون الأعمال الصالحة ثم يفشونها؛ حتى يقتدي بهم من بعدهم، لا من باب المفاخرة أو الرياء والسمعة.