[ما يشرع للحاج عمله من أول يوم التروية إلى نهاية المناسك]
فمن حج مفرداً فإنه لن يعتمر وإنما يحج فقط، أنت بإمكانك أن تأتي من جدة إلى منى مباشرة دون أن تدخل مكة، فتصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم تبيت بها، لكن البقاء في منى والمبيت بمنى في هذه الليلة سنة وليس واجباً ولا فرضاً، ثم تذهب مباشرة إلى عرفة نهاراً وهذا شيء جيد وهو سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أشرقت عليه الشمس في منى انطلق إلى عرفة، فوصل قبيل الظهر وصلى الظهر والعصر جمع تقديم، وترك صلاة المغرب والعشاء حتى صلاهما في مزدلفة حين أفاض جمع تأخير، وما هبط من عرفات إلى مزدلفة إلا بعد أن غربت عليه الشمس في عرفات، فتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال أسامة بن زيد: الصلاة يا رسول الله! يعني: المغرب أذن لم لا تصلي؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام مشيراً إلى المزدلفة:(الصلاة أمامك) يعني: سنصلي المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة، وليس صلاة المغرب والعشاء تؤدى في عرفة، فمن لم يدرك الوقوف في نهار عرفة يمكنه أن ينزل في الليل يوم التاسع من ذي الحجة، ولو أدركت ساعة في ليل عرفة قبيل الفجر صح وقوفك، ثم تنزل من عرفة إلى مزدلفة، ثم تنطلق إلى منى، وبهذا يكون قد تم حجك ولا شيء عليك ولا كفارة بتركك البقاء في منى في نهاية التروية أو في ليل اليوم التاسع؛ لأن هذا كله مسنون وليس واجباً.
فإذا رميت جمرة العقبة الكبرى في يوم النحر وحلقت فلك أن تتحلل من إحرامك وتأتي كل ما كان محرماً عليك إلا إتيان النساء، فإذا طفت طواف الإفاضة أي: تركت منى من عند جمرة العقبة الكبرى ونزلت إلى بيت الله الحرام فطفت بالبيت وسعيت فأنت تكون قد أديت النسك الثالث، والأنساك في يوم النحر خمسة إذا أديت منها اثنين تحللت من إحرامك وصح لك كل شيء إلا النساء، وإذا أتيت بثلاث صح لك كل شيء حتى النساء، وقلنا سابقاً: هي رمي جمرة العقبة الكبرى، والحلق، وذبح الهدي، والسعي بين الصفا والمروة، والطواف، إذا فعلت اثنين من الخمسة جاز لك أن تتحلل من إحرامك وتلبس الملابس العادية، وإذا فعلت ثلاثاً جاز لك كل شيء حتى النساء، هذا لمن حج مفرداً؛ لأن المفرد ليس عليه هدي كما أنه ليس عليه طواف قدوم ولا سعي بين الصفا والمروة، إنما عليه الطواف والسعي بعد رمي جمرة العقبة الكبرى أو في يوم النحر، والنبي عليه الصلاة والسلام ما سئل في هذه الخمسة الأنساك في يوم النحر عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج، لكن التفسير الطبيعي في أداء هذه المناسك أن الحاج ينزل من مزدلفة إلى منى فيفاجأ بعد ظهر يوم النحر أن جمرة العقبة الكبرى من أمامه سيرميها بسبع حصيات ثم يحلق؛ لأن ذلك من السنة، ثم منى بجوارك إذا كنت من أصحاب الهدي كالمتمتع والقارن فتذبح، أو ربما تؤجل الذبح إلى اليوم الثاني أو الثالث أو حتى الرابع إلى وقت صلاة العصر وهو الوقت الذي يسن فيه الذكر والتسبيح والتهليل والتلبية وغير ذلك.
فإذا كان الأمر كذلك فلتذهب إلى مكة لتطوف حول البيت وتسعى بين الصفا والمروة، لكن إذا قدمت واحدة على الأخرى فلا شيء عليك في هذا اليوم وقبل غروب الشمس، ومن أخر الطواف والسعي معنى ذلك أنه قد رمى جمرة العقبة وحلق وذبح إن كان من أهل الذبح، وبالتالي يحل له كل شيء، فله أن يخلع ملابسه ويلبس الملابس العادية، لكن إن دخل عليه ليل يوم النحر دون أن يطوف ويسعى بين الصفا والمروة يلزمه أن يلبس ملابس الإحرام للطواف والسعي، هذه بسبب أنها لفتت بعض الأنظار سأعيدها مرة أخرى.
أنا أقول لك: هذه الخمسة الأنساك مسنونة لك منذ الزوال، يعني: من وقت الظهيرة حتى غروب الشمس، فرمي جمرة العقبة لابد أن يتم في يوم النحر وقبل غروب الشمس، والذبح ليس بلازم فإن أمامك أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام التشريق إلى عصر اليوم الثالث، فلك أن تذبح في هذه الأربعة أيام، والحلق يتم كذلك في يوم النحر وهو الأفضل، ويصح لو تركته حتى الذبح مع مخالفتك للأفضل، أما الطواف فإنه لابد أن يؤدى قبل خلعك لملابس الإحرام؛ لأنه لا متنسك يطوف إلا بملابس الإحرام، ولك أن تطوف بغير ملابس الإحرام أي: بملابسك العادية إذا لم تكن متلبساً بالنسك إذا ما كنت ناوياً عمرة ولا حج لك أن تطوف بالبيت بملابسك العادية، فالطواف عبادة وهي شيء آخر.
لكن إذا فاتك الطواف والسعي في يوم النحر وتحللت من ملابسك وأردت أن تطوف وتسعى فيلزمك بعد غروب شمس يوم النحر أن تلبس ملابس الإحرام مرة أخرى لتطوف وتسعى، وهذا للمفرد.
وجاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الذي بعد يوم النحر وهو أول أيام التشريق، فقال:(يا رسول الله! ذبحت قبل أن أحلق، قال: لا حرج، وقال آخر: حلقت قبل أن أذبح، قال: لا حرج)، فوجه النبي صلى الله عليه وسلم سؤاله لأحد أصحابه:(أطفت بالبيت وسعيت؟ قال: بعد يا رسول -يعني: ما طفت- قال: البس إحرامك وطف واسع).
هذا الحديث خفي على كثير جداً من أهل العلم نبه عليه الشيخ الألباني عليه رحمة الله في كتابه الممتع مناسك الحج والعمرة.