[باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نورث، ما تركنا فهو صدقة)]
الباب السادس عشر، وهو باب يحتاج الباب السابق إلى ضمه إليه: (باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نورث ما تركنا فهو صدقة)).
[حدثنا يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر فيسألنه ميراثهن من النبي صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة لهن: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نورث.
ما تركنا فهو صدقة)؟ حدثني محمد بن رافع أخبرنا حجين حدثنا ليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة: أنها أخبرته: (أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر)]؛ لأن خيبر فُتحت عنوة وليس صلحاً، فكان حظه عليه الصلاة والسلام من الغنيمة الخمس.
وقد سبق أن قلنا قبل هذا: أن من الفروق بين الغنيمة والفيء: أن الفيء كله تحت تصرف النبي عليه الصلاة والسلام، وأن الغنيمة له منها الخمس فقط، أما تخميس الخمس فهو مذهب الشافعي، وليس له من يؤيده لا قبله ولا بعده.
قالت: [(مما أفاء الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال)].
أي أنه ليس من حقكم إلا أن تأكلوا وتشربوا فقط، أما أن تأخذوه فلا؛ لأنه ليس ميراثاً، إنما تأكلون وتطعمون ما شئتم، وبقية هذا يدخل في بيت المال، أما غير ذلك فلا.
قال: [(وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها)].
إنَّ الصديق رضي الله عنه رغم ظهور المصلحة، إلا أنه كان حريصاً ألا يحيد قيد أنملة عمّا كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فقد قيل له في جمع المصحف فأبى مع أن المصلحة ظاهرة في جمع المصحف.
وحجته: كيف أفعل شيئاً لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، فكان وقّافاً عند حدود الشرع.
فقال: [(وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك)].
وجدت بمعنى: غضبت، من الوجد لا من الإيجاد.
قال: [(فهجرته)].
وربما تكون هذه من نوع الهجرة المشروعة.
وقد يكون المعنى: لم تكلمه في أمر الميراث بعد ذلك، فإنه لم يثبت قط أن أبا بكر سلّم عليها فلم ترد عليه.
وهذا هو المقصود بالهجرة عند الإطلاق، لكن لم يثبت هذا، ولم يثبت أنها خرجت من تحت إمرته، أو خرجت عليه بالسيف أو بالقول أو بالفعل.
وهذا على أية حال مباح، فأنا إن غضبت منك قليلاً فمن الممكن أن أهجرك، بمعنى: أنني لا أهتم بلقائك ولا أزورك، وإن زرتني وجب عليّ استقبالك، وإن سلّمت عليّ وجب عليّ رد السلام، لكن الأمر أو الحاجز بين أبي بكر وفاطمة أنهما لم يحدث بينهما لقاء، وما زار أحد منهما أخاه، وبالتالي فلم يكن هناك ما يؤذي أبا بكر، ولا يؤذي فاطمة غير ما قد منع أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أخذ المال الفيء إلى فاطمة.
قال: [(فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت)].
والمحمول في هذا الكلام: فلم تكلمه في أمر الفيء حتى توفيت.
قال: [(وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر)] وقيل: تسعة.
وقيل: ثمانية.
وقيل: سبعة.
وقيل: أربعة.
وقيل: شهران.
وأرجح الأقوال: أنها عاشت بعد النبي عليه الصلاة والسلام ستة أشهر.