[موقف بني سلمة من صدق كعب بن مالك في سبب تخلفه عن غزوة تبوك]
قال: [(فقمت، وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا، لقد عجزت في ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
أي: أنت دائماً رجل صالح، وموقفك طيب، فلو أنك اعتذرت مثل الذين اعتذروا، وتصبح حياتك كلها بغير ذنب، لكنك أكدت الذنب على نفسك.
قال: [(قالوا: لقد عجزت في ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله بما اعتذر به إليه المتخلفون, فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك)].
يعني: لو كنت اعتذرت وحلفت له أنه ما خلفك إلا العذر؛ حتى وإن كنت كاذباً في هذا اليمين، فإن الله عز وجل يغفره لك باستغفار النبي لكم جميعاً، وأنت منهم.
قال: [(فوالله ما زالوا يؤنبوني)].
يعني: يلومونني.
قال: [(حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي)].
فانظر إلى أثر الصحبة، مع أن الصحابة كلهم عدول؛ لكنهم تقع منهم الهفوات، وهذه هفوة، فهذا رجل أتى والتزم الصدق فلامه بعض الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك هم أن يرجع فينسحب من كلامه الأول، ويقدم المعذرة التي قدمها المخلفون.
قال: [(ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟)].
يعني: هل سبقني أحد إلى الصدق مع النبي عليه الصلاة والسلام في تخلفه؟ قال: [(قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت, فقيل لهما مثل ما قيل لك.
قال: قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن ربيعة العامري -أو العمري -، وهلال بن أمية الواقفي، قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً، لي فيهما أسوة)].
فهذان الرجلان يشار إليهما بالبنان في الصلاح والعلم والعمل والتقوى، وغير ذلك لكن كعباً لم يكن على علم بتخلفهما، وما علم أنهما تخلفا إلا بعد رجوع النبي عليه الصلاة والسلام.