للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلام النووي في صيام الست من شوال]

قال النووي رحمه الله: (في هذا الحديث دلالة صريحة لمذهب الشافعية وموافقيهم في استحباب صوم هذه الست، وقال مالك وأبو حنيفة: يكره ذلك).

من العلماء من قال: صيام هذه الستة حرام.

وابن الجوزي عليه رحمة الله في كتابه العظيم (التحقيق لمسائل الخلاف بين أهل العلم) ذكر ثمانية أقوال لأهل العلم في حكم صيام ست من شوال، فذكر منها: أنه جائز، وذكر منها: أنه مستحب، وذكر منها: أنه واجب، وذكر منها: أنه مباح، وذكر منها: أنه مكروه، وذكر منها: أنه حرام.

ومن ذهب إلى كراهته وحرمته إنما قال ذلك مخافة المواظبة عليها؛ لأجل ألا يظن الناس أن صيام هذه الستة واجب، وهذا وإن كان بعيداً لكن على أية حال له وجه، والاجتهاد فيه سائغ، وإن كان العمل على خلافه عند جماهير العلماء، وهذا الحديث قاض بالرد على جميع من خالف ذلك، وأن صيام هذه الستة أمر مستحب، خاصة بعد أن استقرت السنة واستقرت الأحكام الشرعية.

قال: (قال مالك في الموطأ: ما رأيت أحداً من أهل العلم يصومها) يعني: الست من شوال، لكن بعض السنن تركها كثير جداً من الصحابة مثل: سنة الاعتكاف، لما تأتي تبحث عن أسماء الصحابة الذين حققوا هذه السنة تجدهم قلة في جنب أعداد الصحابة الغفيرة، فهم تركوها إما لانشغالهم، أو لمخالفتهم المواظبة على هذه السنة؛ فيظن الناس أو من لا علم له بأن الاعتكاف واجب، فكذلك صيام هذه الستة.

قال: (قال مالك: ما رأيت أحداً من أهل العلم يصومها، فيكره لئلا يظن وجوبه.

ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت -هذه قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة- السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها) يعني: أن السنة قاضية على الناس، والناس لا يقضون على السنة، حتى لو أن الصحابة كلهم تواطئوا على ترك العمل بحديث فلا يوافقون على ذلك، هذا على فرض أن هذا حدث، ولا يحدث؛ لأن الإجماع الذي لا خلاف عليه هو إجماع الصحابة، والصحابة لا يجمعون على باطل قط، والأمة في مجموعها في كل زمان وفي كل عصر معصومة من الإجماع على الباطل أو من الوقوع في الباطل، لكن قد يقع عالم في الباطل، واثنان، وثلاثة، وعشرة، فإذا زلت قدم عالم في باطل أو تكلم بكلام خالف فيه الدليل، تجد عشرات بل مئات العلماء في أمة لا إله إلا الله في شرق الأرض وغربها يردون عليه باطله وخطأه الذي أخطأ فيه، بهذا يظهر الحق للأمة، والأمة في مجموعها معصومة أن تقع في الباطل، وإذا كانت كذلك فالعصمة أقرب إلى الصحابة من غيرهم؛ لقرب عهدهم بنزول الوحي، وفهمهم لكلام الرب تبارك وتعالى، وأنه نزل بلغتهم، وأنهم أعلم الناس بكلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

فقوله: (وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها) يعني: أن الفيصل هنا والرجوع للدليل لا للناس.

كذلك إذا كان الدليل يحتاج إلى إعمال فكر وبذل جهد لاستنباط الفوائد واستخراج النكت منه، فلا شك أن اجتهاد العلماء أولى من اجتهاد غيرهم، يعني: لما يجيء شيخ الإسلام ابن تيمية فيجتهد في حديث وأنا أجتهد في حديث فلا شك وبلا توقف أن اجتهاد شيخ الإسلام ابن تيمية أولى من اجتهاد غيره؛ لأن عقله أرجح وعلمه أتم، وعنده ملكة في الاستنباط أكثر من غيره، وهو صاحب جد واجتهاد وغير ذلك، فإذا ترك بعض الناس العمل بالدليل الصحيح الصريح، وجب على المسلمين ترك كلام من خالف الدليل والعمل بالدليل.

قال: (قال الشافعي: والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر) لكن تفريقها جائز؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من شوال) و (من) هنا تبعيضية تفيد التجزئة.