[شرح حديث: (من يدخل الجنة ينعم لا يبأس)]
قال: [حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت بن أسلم البناني البصري، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يدخل الجنة ينعم لا يبأس)] (ينعم): أي: يتلذذ، وتحصل له اللذة والنعيم.
(لا يبأس) أي: من البؤس، والهم، والغم.
أنتم تعلمون أن الدنيا دار هم وبلاء، هذا الهم والبلاء يصيب المؤمن والكافر، ويصيب العاصي والطائع، ويصيب الجميع، فليس من أحد في الدنيا إلا ويصيبه الهم والغم عظمت ثروته أو قلت، كثر أولاده أو لا ولد له، كثرت زوجاته أو لا زوجة له، صغيراً كان أو كبيراً، أنثى أم ذكراً، عبداً أم حراً، الكل قد أصابه الهم والغم في حياته الدنيا، وإن تظاهر بالسعادة فعنده ما عنده، والبيوت ما أغلقت إلا على براكين من نار، هذا الأبواب التي جعلت على مداخل البيوت والشقق أغلقت على براكين كادت أن تنفجر، وهذا شأن الدنيا، فمهما نزل بعبد الضر والبلاء فلابد له من فرج؛ لأنه لا يملك الفرج إلا الله، لكن ينبغي على هذا العبد الذي نزل به الضر والهم أن يلجأ، وأن يتضرع إلى الله عز وجل، وأن ينتهز الأوقات التي تجاب فيها الدعوات وتصعد إلى رب الأرض والسماوات، والله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا من عليائه سبحانه وتعالى نزولاً يليق بجلاله، فيقول لعباده في الثلث الأخير من الليل: ألا هل من داع فأجيبه؟ الله تعالى هو الذي يجيب الدعوات، فلم تضن على نفسك بأن تقوم لله تعالى في وقت أنت على يقين أنه يقبل منك الدعاء، ثم تذهب لتشكو إلى فلان أو علان، وأولى بك أن تشكو لربك الذي يملك تفريج الهم، وكشف الضر، المهم أن تقوم له في الوقت المحدد من آخر الليل فتصلي ركعتين، أو أربع ركعات، أو ست، أو ثمان أو إحدى عشرة ركعة ثم تجلس بعد ذلك تسبح: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨].
قال الإمام الحسن البصري: كانوا يصلون من منتصف الليل إلى وقت السحر فإذا كان السحر جلسوا ورفعوا أكف الضراعة إلى الله عز وجل يسألونه حاجاتهم، هذا الوقت الذي يجدر بنا جميعاً أن ننتصب لله تعالى فيه بالليل، وأن يطلب الواحد منا ولو دعوة واحدة من ربه في كل ليلة.
ولو تعددت حاجاتك عند الله وكانت كثيرة، فالله تعالى بيده مفاتيح الأرض والسماوات، يملك كل شيء، فهو يملك العباد وما يملكون، وهو الذي يملك قلوب العباد، وكثير من الناس بينه وبين إخوانه منازعات، وهو يتصور أو يعتقد أن هذه المنازعات لا حل لها البتة، ولا يمكن أن تنكشف، وهذا سوء ظن بالله تعالى، فلو أنه دعا الله عز وجل في ليلة أن يفرج كربه لكان لزاماً أن تفرج الكروب، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما بال أحدكم يستعجل الإجابة حتى يدع الدعاء).
يستعجل الإجابة يقول: يا رب! دعوت ولم تستجب لي.
وكم من امرأة كانت تحت رجل فكانت سر تعاسته، فلما طلقها وتزوجت رجلاً آخر كانت قمة السعادة بينهما، والعكس بالعكس، فينبغي أن يسلم المرء أمره كله لله تعالى يفعل فيه ما يشاء، فالله تبارك وتعالى يعلم الخير والشر سبحانه وتعالى، وهو الذي يعلم ذلك.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا هم أحدكم بالأمر).
يعني: إذا دخل في نفس أحدكم شيء يريد أن يصنعه.
والصحابة رضي الله عنهم كانوا يستخيرون الله تعالى في شراك نعالهم، وهذا من التسليم لقدر الله تعالى وقضائه، قال للصحابة: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب اللهم إن كان هذا الأمر -ويسميه- خيراً لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري آجله وعاجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كان هذا الأمر -ويسميه- شراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري آجله وعاجله فاصرفه عني).
أي: فاصرفه عني يا رب بعلمك.
إذا كنت تعلم في الأزل أن هذا تعس وبؤس اصرفه عني.
(واصرفني عنه، ثم اقدر لي الخير حيث كان).
ومعنى: (اللهم إنه كنت تعلم) أي: أنك تعلم، مثل قول ربنا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١]، و (قد) هنا تفيد التحقيق، مع أن (قد) قد تأتي للشك.
وعلماء اللغة يسمون هذا: الحرف الزائد أو الكلام الزائد، ومعناه أن الجملة تستقيم بغيره لا أن في كلام الله حرفاً زائداً لا قيمة له حاشا لله.
(فاللهم إن كنت تعلم): أي اللهم إن كان سبق في علمك الأزلي الذي علمته وكتبته في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق الخلق بخمسين ألف سنة أن كذا وكذا تكون فيه سعادتي فيسره لي، وهذا ليس على سبيل الشك وإنما على سبيل التحقيق.
قال: (من يدخل الجنة ينعم لا يب