[باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم]
الباب التاسع والأربعون: (باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم).
أي: كم غزوة غزاها النبي عليه الصلاة والسلام.
والغزوة تختلف عن السرية.
السرية هي سرية صغيرة أو مناورة أو استطلاع أو شيء من هذا.
إنما الغزوة بمعنى: الجيش الذي يكون على رأسه النبي عليه الصلاة والسلام أو الإمام، فهذه الغزوة عند الإطلاق.
فكم غزوة غزاها النبي عليه الصلاة والسلام؟ لك أن تتصور أن غزوات النبي عليه الصلاة والسلام كلها كانت خلال ثمان سنوات؛ لأن أول غزوة غزاها هي غزوة بدر وكانت في العام الثاني من الهجرة، وهو عليه الصلاة والسلام مات في العام العاشر.
قال: [عن أبي إسحاق أن عبد الله بن يزيد خرج يستسقي بالناس فصلى ركعتين ثم استسقى.
قال: (فلقيت زيد بن أرقم -وقال- ليس بيني وبينه غير رجل -أو بيني وبينه رجل- قال: فقلت له: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تسع عشرة غزوة.
فقلت: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة غزوة -فاتته غزوتان- قال: فقلت: فما أول غزوة غزاها؟ قال: ذات العُسير أو العُشير)]، والراجح: أنها غزوة ذات العُشير بالمعجمة وليس بالمهملة، وهي سرية كانت قبل بدر، ولكن سماها غزوة من باب المجاز؛ لأنها تقوم بنفس مقام الغزوة الكبرى، فسماها غزوة وليست كذلك.
والعشير: هي من أرض مذحج.
[وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير -وهو ابن معاوية بن حديج الجعفي - عن أبي إسحاق السبيعي عن زيد بن أرقم سمعه منه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وحج بعدما هاجر حجة واحدة لم يحج غيرها وهي حجة الوداع)].
سُميت الوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودّع فيها أصحابه قال: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا).
قال الصحابة فيما بينهم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم: هذه حجة الوداع.
أي: التي فيها ودّع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته، وفارق بعدها الدنيا صلى الله عليه وسلم.
والنبي عليه الصلاة والسلام حج على ملة إبراهيم عليه السلام على الحنفية السمحاء قبل البعثة مرتين، وحج بعد البعث مرة واحدة.
[وحدثنا زهير بن حرب حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكريا أخبرنا أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة)].
إذاً: عد زيد بن أرقم يتوافق مع عد جابر بن عبد الله الأنصاري.
والفارق بين زيد بن أرقم وجابر: أن زيداً سئل: كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: تسع عشرة.
وجابر قال: غزوت معه تسع عشرة.
وهذا يعني: أن جابراً حضر جميع الغزوات مع النبي عليه الصلاة والسلام، لكن بعد ذلك [قال جابر: لم أشهد بدراً ولا أحداً]، إذاً: حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، ولكنه لم يشهد بدراً ولا أحداً.
إذاً: يكون عدد الغزوات واحداً وعشرين غزوة.
هل نفى جابر الغزوات بعد ذلك؟ هل أتى رجل وقال: لم يغز النبي صلى الله عليه وسلم إلا واحداً وعشرين غزوة؟ لو قال ذلك لكانت هذه صيغة اختصاص لم يغز إلا هذا العدد، ولكن جابر يقول: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة ولم أحضر بدراً ولا أحداً، ولم ينف جابر أنه غزا أكثر من ذلك، فهو يقول: أنا حضرت تسعة عشر غزوة، لكن للأسف لم أحضر بدراً ولا أحداً، وهذا لا ينفي أنه لم يحضر غير بدر ولا أحد، لكن حينما كانت هاتان الغزوتان هما أعظم غزوات النبي عليه الصلاة والسلام فهو يتحسّر أنه لم يحضرهما، وحضر بعد ذلك تسع عشرة غزوة، لا ينفي أن تكون فاتته غزوة أو غزوتين أو ثلاثاً أو أربعاً.
قال: [منعني أبي -أي: من بدر وأحد- فلما قُتل عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط].
هذا الكلام الأخير يفيد الحصر عند جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغز إلا واحداً وعشرين غزوة، حضر منها تسع عشرة وتخلف عن غزوتين.
زيد بن أرقم يقول: الغزوات تسع عشرة غزوة.
إذاً: كل منهما أخبر بما عنده من علِم.
[وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب (ح) وحدثنا سعيد بن محمد الجرمي حدثنا أبو تميلة -كنية جميلة جداً، وهي اسم لـ يحيى بن واضح الأنصاري المروزي - قالا جميعاً: حدثنا حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة بن ا