[كلام النووي في أحاديث الاستخلاف]
قال النووي عليه رحمة الله في قوله: (إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني) إلى آخر الحديث.
قال: (حاصله: أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ويجوز له الترك -هذا جائز وذاك جائز- فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد اقتدى بـ أبي بكر.
وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف).
هذه المسألة محل إجماع؛ وهذا الاستخلاف يلزم الأمة كلها، ولا يجوز لأحد أن يخرج عن هذا الخليفة المستخلف.
قال: (وأجمعوا على انعقادها بعقد أهل الحل والعقد للإنسان إذا لم يستخلف الخليفة).
أبو بكر الصديق رضي الله عنه استخلف عليهم عمر، فوجبت البيعة لـ عمر في ذمة كل مسلم في ذلك الوقت، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاستخلاف، ولكن المهاجرين والأنصار -وهم الذين كانوا يمثلون أهل الحل والعقد كمجلس الشورى، وشتان بين الإيمان والكفر- انعقد بالإجماع على إمامة أبي بكر، فلما صعد المنبر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وخطب خطبته العظيمة، وهي أول خطبة بعد نبوة النبي عليه الصلاة والسلام وبعد موته، قام المسجد بالإجماع فبايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه؛ لعلمهم أنه لا يحل لهم أن يخالفوا الإجماع.
فإذا كان الإجماع من أهل الحل والعقد المعتبرين المختارين برضى شعوبهم المسلمة وعلى ألفة من الكتاب والسنة؛ فحينئذ لا يجوز لأحد أن يتخلف عن قرار يصدر عنه، لا في شأن الخلافة ولا في شأن الاجتهاد؛ لأن هذا خروج على الأمة وعلى مقدرات الأمة.
قال: (وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عمر رضي الله عنه بالستة).
جعل الأمر شورى لأهل الحل والعقد أن يختار من بين هؤلاء الستة خليفة.
فإن قيل: هل يجوز لأهل الحل والعقد حينئذ أن يختاروا واحداً غير الستة؟
الجواب
لا يجوز؛ لأن هذا من مسائل الإجماع؛ ولذلك اختاروا منهم، ولو كان يجوز لهم ذلك لاختاروا من غيرهم.
فإن قيل: ولِم لا يجوز أن يختاروا واحداً غير الذي عيّنهم الخليفة؟
الجواب
لأن هذا خروج عن أمر الخليفة، والخليفة ما زال حياً.
والوجه الثاني: أنهم لو اختاروا واحداً من غير الستة لكان لنا أن نفترض أنه ما عيّن ستة وإنما عيّن واحداً؛ لأن الذي يعيّن واحداً قد يعيّن مائة، كأنه قال لهم: لا تخرجوا عن هؤلاء الناس، فخرجوا فقد خالفوا أمير المؤمنين.
قال: (وأجمعوا كذلك على أنه يجب على المسلمين جميعاً أن ينصّبوا من بينهم خليفة).
ولم يقل على أهل الحل والعقد، وإنما يجب على المسلمين جميعاً أن يساهموا وأن يبادروا بنصب خليفة والبيعة له.