للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف العلماء في مقدار حد الخمر]

قال: (واختلف العلماء في قدر حد الخمر.

فقال الشافعي وأبو ثور وداود - الظاهري - وأهل الظاهر: حده أربعون.

قال الشافعي رحمه الله: وللإمام أن يبلغ به ثمانين).

أي: وللإمام أن يبلغ بحد الشرب ثمانين.

قال: (وتكون الزيادة على الأربعين تعزيرات على تسببه في إزالة عقله، وفي تعرضه للقذف والقتل، وأنواع الإيذاء وترك الصلاة وغير ذلك).

هذا مذهب الشافعي وأهل الظاهر: أن الحد أربعون، والزيادة موكول أمرها للإمام على حسب حال هذا المحدود.

قال: (ونقل القاضي عياض عن الجمهور -جماهير أهل العلم- من السلف والفقهاء منهم مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى أنهم قالوا: حده ثمانون).

هذا مذهب الجمهور، أن حد الشارب ثمانون؛ خلافاً للشافعي وأهل الظاهر.

قال: (واحتجوا بأنه الذي استقر عليه إجماع الصحابة).

أتوا بهذا الإجماع من فعل عمر وعدم ظهور المخالف له، فحد شارب الخمر ثمانون؛ لأن هذا الذي حده عمر؛ واستقر عليه العمل بدليل أن أحداً لم ينكر على عمر رضي الله تعالى عنه.

قال: (واحتجوا كذلك أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن للتحديد).

فالنبي لما جلد الشارب أربعين لم يقصد تحديداً، ولذلك جاء في رواية: أنه جلد نحو أربعين، وأنه جلد بجريدتين.

قال: (وحجة الشافعي وموافقيه - من أهل الظاهر - أن النبي إنما جلد أربعين كما صرح به في الرواية الثانية.

وأما زيادة عمر تعزيرات، والتعزير إلى رأي الإمام، إن شاء أنفذه وإن شاء تركه بحسب المصلحة في فعله وتركه، فرآه عمر ففعله، ولم يره النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا علي فتركوه.

أما الأربعون فهي الحد المقدر الذي لا بد منه.

والفرق بين الحد والتعزير: أن الإمام ليس حراً في تنفيذ الحد لا سلباً ولا إيجاباً، كما أنه ليس حراً في تخفيضه، لكنه حر في تخفيض التعزير من عشرة إلى خمسة إلى ثلاثة، وقد يترك الضرب مطلقاً ويكتفي بالتوبيخ واللوم والمعاتبة وغير ذلك على حسب حال المعزر، أما الحد فإذا بلغ السلطان فلا بد من إقامته كما جاء به الكتاب والسنة.

قال: (ولو كانت الزيادة حداً لم يتركها النبي عليه الصلاة والسلام ولم يتركها وأبو بكر رضي الله عنه ولم يتركها كذلك علي رضي الله عنه بعد فعل عمر؛ ولهذا قال علي رضي الله عنه: وكل سنة.

معناه: الاقتصار على الأربعين وبلوغ الثمانين.

فهذا الذي قاله الشافعي رضي الله عنه، وهو الظاهر الذي تقتضيه هذه الأحاديث ولا يشكل شيء منها.

ثم هذا الذي ذكرناه هو حد الحر، أما العبد فدائماً حد العبد على النصف من حد الحر كما في الزنا والقذف).

كما أن حد الأمة على النصف من حد الحرة أيضاً.

قال: (وأجمعت الأمة على أن الشارب يحد سواءً سكر أم لا).

فالعبرة بالشرب.