[عظم خلق الملائكة واختلاف شكلهم عن الآدميين]
الملائكة من حيث الخلق أعظم خلقاً من الآدميين، يعني: أكبر حجماً -طولاً وعرضاً- من الآدميين، بل شكل الملائكة الطبيعي الذي خلقهم الله تبارك وتعالى عليه يختلف عن شكل الآدميين.
قال الله تبارك وتعالى عن ملائكة النار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦]، فوصف الملائكة هنا بأنهم غلاظ شداد، فطبيعة خلقهم ومادة خلقهم أشد من مادة وطبيعة خلق الآدميين.
ومن الأمثلة على ذلك: عظم خلق جبريل عليه السلام، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن مسعود قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق -فالجناح الواحد يسد الأفق، أي: ما بين السماء والأرض- يسقط من جناحه التهاويل -وهي الأشياء المختلفة الألوان- من الدر واليواقيت).
قال ابن كثير عليه رحمة الله: وفي سنن الترمذي: هذا حديث إسناده جيد، أي: رواية الإمام أحمد بن حنبل.
وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جبريل: (رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض)، يعني: جبريل سد ما بين السماء والأرض لعظم خلقه.
وقال الله تعالى في وصفه: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:١٩ - ٢١].
والمراد بالرسول الكريم هنا جبريل، وذي العرش أي: رب العزة سبحانه وتعالى.
ومثال آخر يدل على عظم خلق الملائكة: روى ابن أبي حاتم وأبو داود عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام).
فكيف بحجم بدنه كله؟! وفي رواية أخرى لـ ابن أبي حاتم: (لخفقان الطير) أو قال: (يخفق الطير -أي: يطير فيها الطائر- مسيرة سبعمائة عام).
وروى الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد صحيح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش، وبين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام، يقول -أي: الملك-: سبحانك حيث كنت).
والملائكة لها أجنحة كثيرة، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك إلى ستمائة جناح، وهذا يدل على أن الملائكة يتفاوتون أيضاً في الخلق وفي القدرة.
قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:١]، يعني: يزيد بعد ذلك في أصل الخلق أو في الأجنحة، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:١].