[سقوط عقوبة الرجم عن العبد والأمة]
قال: (وهذا الحديث صريح في الدلالة للجمهور) أي: والرد على أبي حنيفة: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها) أي: فليجلدها هو الحد.
قال: (وفي هذا الحديث دليل على أن العبد والأمة لا يرجمان سواء كانا مزوجين أو لا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها) ولم يفرق بين مزوجة وغيرها).
وربنا يقول: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء:٢٥] يعني: تزوجن {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} [النساء:٢٥] يعني: زنين بعد هذا الإحصان الذي هو الزواج {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:٢٥] فكيف ينصف الرجم والرجم موت؟ وهل يمكن أن يموت الشخص نصف موت؟ إذاً: الذي ينصف هو الجلد.
وذكر أن مصطفى محمود جاء مرة وكتب عدة مقالات في الجريدة.
قال: أخبروني عن تفسير هذه الآية: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:٢٥] قال: فأنا أريد أن أفهم هذا الكلام، وهو لا يريد أن يفهم بل هو يتحدى، ويشكك في السنة، فأسياده في الغرب انتهى معين بحورهم النكدة إلى توجيه الشبه لسنة النبي عليه الصلاة والسلام وتفكيك المسلمين والشباب في دينهم وعقيدتهم، فلم يبق أمام مصطفى محمود إلا كلام الله عز وجل، وصدق الله إذ يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢] فلما انتهت حججه وشبهه في سنة النبي عليه الصلاة والسلام استدار بعد ذلك إلى كتاب الله عز وجل.
قال: هذه الآية تقول: إن الإماء إذا أحصن تزوجن فعليهن نصف ما على المحصنات الحرائر من العذاب فكيف ذلك؟ الجلد ينصف؛ لأن الحرة البكر إذا زنت تجلد مائة جلدة وتغرب أو لا تغرب على الخلاف المشهور الذي أخذناه من قبل.
هب أن الراجح: الجلد دون التغريب.
إذاً: الأمة إذا زنت وهي بكر فعليها نصف ما على المحصنة من العذاب، فتجلد خمسين، وإذا أحصنت الأمة وزنت فكيف يكون عليها نصف عذاب الحرة؟ لأن الحرة المحصنة إذا زنت رجمت حتى الموت، فكيف ينصف هذا بالنسبة للأمة المحصنة المزوجة؟ فأراد مصطفى محمود أن يشكك في هذه الآية، وما علم أن إجماع الأمة منعقد على أنه لا رجم على الأمة ولا على العبد، إنما عليهما الجلد، والجلد إما أن يكون قبل الإحصان، فتجلد الأمة، ويجلد العبد بغير عدد ولا يبلغ الخمسين، فإذا أحصن العبد وأحصنت الأمة وزنيا فعليهما نصف ما على الأحرار والحرائر من العذاب، فإذا كانت الحرة قبل الإحصان تجلد مائة فالأمة بعد الإحصان تجلد خمسين، وإذا زنت الأمة قبل الإحصان والزواج فلا عذاب عليها إلا من باب اللوم والتوبيخ والتعزير لا من باب الحد، وهذا التأديب والتعزير يصدر من السيد إلى عبده وأمته، فلا يكون الحد في حق الإماء والعبيد إلا بعد الإحصان، ولا يزيد عن خمسين جلدة.
هذا في المرة الأولى والثانية والثالثة واختلف في بيعها بعد ذلك.
هل تباع بعد الثالثة أم بعد الرابعة؟ على الشك الوارد في الروايات هنا، فإذا قلنا: تباع بعد الثالثة فهذا ظاهر الروايات وإذا قلنا: تباع بعد الرابعة فهذا أمر يرجع إلى اجتهاد السيد وأخذه بأحد القولين، وإذا باعها يبيعها بأبخس الأثمان ويعرِّف المشتري ببيعها.
قال: (وفي هذا الحديث دليل على أن العبد والأمة لا يرجمان سواء كانا مزوجين أم لا، لقوله عليه الصلاة والسلام: (فليجلدها الحد) ولم يفرق بين مزوجة وغيرها.
وفي هذا الحديث أنه لا يوبخ الزاني بل يقام عليه الحد فقط)، لا يوبخ أياً كان حراً أو عبداً لا يوبخ؛ لأنها معصية ارتكبها في وقت غفلة، وهي من باب إعانة الشيطان عليه، وأنتم تعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام لما رجم الغامدية سبها خالد وقال فيها قولاً شديداً، وفي إحدى الروايات لما رجع عليه الدم قال: يا زانية! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تفعل) أي: لا تقل ذلك، فإنها تابت توبة لو تابها سبعون من أهل المدينة لوسعتهم.
ففي هذا: إثبات رحمة النبي عليه الصلاة والسلام لأصحاب المعاصي واحترام آدميتهم وكرامتهم وتقدير توبتهم، وأنهم يغسلون من هذا الذنب غسلاً كأنه لم يكن، وأن الله تعالى لا يحاسبهم على ذلك يوم القيامة؛ لأنكم تعرفون أن مرتكب الكبيرة ليس كافراً كما هو مذهب الخوارج، بل لا تسلب عنه الأخوة الإيمانية؛ لأن الأخوة الإيمانية ثابتة للفاسق الملي كما عبر بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الواسطية فقال: (لا يسلب اسم الإيمان عن الفاسق الملي) أي: على من كان على ملة النبي عليه الصلاة والسلام ودينه، فإنه يفسق بكبيرته، ويثبت له الإيمان على قدر ما عنده من إيمان، فمرتكب الكبيرة عند أهل السنة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، خلافاً للمعتزلة الذين جعلوه في الدنيا في منزلة بي