كما قرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها في المسائل الخبرية القولية، أي: مسائل الغيب، من الجنة، والنار، والصراط، والحشر، والنشر، وعذاب القبر، وغير ذلك، والمسائل العملية المتعلقة بالتكاليف، والحلال والحرام من باب أولى، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يقل أحد منهم على أحد بكفر، ولا بفسق، ولا بمعصية، كما أنكر شريح قراءة من قرأ:{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}[الصافات:١٢] بضم التاء في (عجبت)، كما كان يقرؤها ابن مسعود رضي الله عنه، وأنكرها عليه شريح وقال: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي -مع أن العجب ثابت لله عز وجل في كثير من النصوص- فقال: إنما شريح شاب يعجبه علمه، وعبد الله كان أعلم منه، وكما أنكرت عائشة وبعض الصحابة رؤية محمد عليه الصلاة والسلام لربه، وقالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ومع هذا لا نقول لـ ابن عباس وللمخالفين معه: أنت مفترٍ على الله، وكما تنازعت مع بعض الصحابة في كلام الميت وكلام الحي، وفي تعذيب الميت، وغير ذلك من المسائل الفرعية العقدية، وكذلك ما جرى بين علي ومعاوية، مع أن أهل السنة متفقون على أن الطائفتين جميعاً مؤمنتان، وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم؛ لأن المقاتل وإن كان باغياً فهو متأول، والتأويل يمنع الفسوق، مع أن الحق كان مع علي، لكن لا يدعو ذلك إلى نسبة معاوية إلى الفسق؛ لأن الظن به أنه ما أقدم على قتال علي إلا مجتهداً أو متأولاً، ولا يلزم ذلك إصابته للحق.