[شرح حديث: (إن الله أمده لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة)]
قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا البختري قال: (أهللنا رمضان ونحن بذات عرق)] ذات عرق هي ميقات أهل العراق، ومن أتى من جهة العراق يريد حجاً أو عمرة فليحرم من هذا الميقات المكاني.
وميقات أهل اليمن يلملم.
وميقات أهل مصر رابغ أو الجحفة.
وميقات أهل المدينة أبيار علي، التي هي ذو الحليفة.
بعد أن ذكر النبي عليه الصلاة والسلام هذه المواقيت المكانية قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) يعني: هذه المواقيت لأهلها إذا مروا بها، ولمن أتى عليها من غير أهلها، فأنا عندما أكون في المدينة وأريد أن أعتمر فهل أرجع إلى رابغ خمسمائة أو ستمائة كيلو، أو أمر على ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة وأحرم منه؟ أحرم من ذي الحليفة.
قال: [(أهللنا رمضان ونحن بذات عرق، فأرسلنا رجلاً إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أمده لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة)].
أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين مسألة اعتقادية: وهي هل يمكن أن يظهر الهلال ويختفي دون أن يراه أحد من المسلمين؟ لا، غير ممكن؛ لأن هذا يتنافى مع رحمة الله عز وجل بخلقه، ولذلك من رحمته وفضله أن يمد الهلال مداً، بمعنى: أنه يبقيه حتى يراه الناس، فإن خفي على قوم ظهر لآخرين, وإن خفي على واحد ظهر لآخر، وهذا هو مد الله عز وجل للهلال.
فقوله: (إن الله قد أمده حتى ترونه) يعني: أن الله تعالى قد أبقاه في السماء ظاهراً واضحاً، فإن خفي على بلد ظهر لآخر فمثلاً: بين العراق والأردن ألف كيلو، فلو اعتبرت أن العراق بلد والأردن بلد، وأن أهل كل بلد من هذين البلدين لا يلزم برؤية البلد الآخر؛ لبعد المسافة، فعندنا هنا بين القاهرة وبين أسوان ألف كيلو، نفس المسافة التي بين العراق والأردن، فهل يمكن أن يقال: إن لأسوان رؤية خاصة بها، والقاهرة رؤية خاصة بها؟ لا، بل الرؤية كما تلزم أسوان التي تبعد عن القاهرة ألف كيلو تلزم كذلك الأردن التي تبعد عن العراق أيضاً ألف كيلو.
أما قوله: (فإن أغمي عليكم).
لا يمكن أن تصيب الغمة جميع المسلمين في شرق الأرض وغربها؛ لأن الهلال ربما حال بيننا وبين رؤيته غمامة أو غياية في السماء في مصر، هذه الغمامة ليست موجودة في الحجاز، وليست موجودة باليمن، ولا بالسودان، ولا بالعراق، ولا بالأردن؛ لأنه لا يعقل أن الغمامة ستحجب الهلال أو الشمس أو القمر عن العالمين بحيث لا يراهما أحد من الخلق، لا يمكن؛ لأن هذا يتنافى مع فضل الله وحكمته ورحمته، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يطمئننا فقال: (إن الله قد أمده لرؤيته) يعني: سترونه في مطلع كل شهر ولا بد، وهذا أمر حتمي، وهذه المسألة لا بد أن تكون من عقيدتك: أن الهلال يغم على قوم أو قرية أو بلد أو دولة ويظهر لغيرها، المهم أنه سيظهر وسيراه الناس، وإن خفي على البعض.
قوله: (فأكملوا العدة) أي: الواجب الشرعي على المسلمين أن يكملوا العدة ثلاثين، عدة شعبان إذا كان في بدء رمضان، وعدة رمضان إذا كان ظهور العيد.