شرح حديث:(من حلف على يمين ثم رأى خيراً منها فليأت الذي هو خير)
وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار -وهما كفرسي رهان، ولدا في عام واحد، وماتا في عام واحد، وكانا في التوثيق والعدالة في مرتبة واحدة- قالا: حدثنا محمد بن جعفر -وهو ربيب شعبة، تربى في حجره؛ لأن شعبة تزوج أمه بعد وفاة أبيه- قال: حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة قال: (سمعت عدي بن حاتم وأتاه رجل يسأله مائة درهم، فقال: تسألني مائة درهم وأنا ابن حاتم؟! والله لا أعطيك شيئاً، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف على يمين، ثم رأى خيراً منها؛ فليأت الذي هو خير)] أي: ما فعلت ذلك، ولكني أحنث في يميني وأعطيك، وأكفر عنه.
قال:[حدثني محمد بن حاتم حدثنا بهز -وهو ابن أسد العمي - حدثنا شعبة -وهو ابن الحجاج العتكي البصري، أول من تكلم بالجرح والتعديل في البصرة- قال: حدثنا سماك بن حرب قال: سمعت تميم بن طرفة قال: سمعت عدي بن حاتم: أن رجلاً سأله فذكر مثله، وزاد: ولك أربعمائة في عطائي].
يعني: أن عدي بن حاتم الطائي رجل كريم، فتضايق حين سئل مائة درهم؛ لأن هذا الشيء لا يتناسب مع كرم الطائيين، وكبيرهم هو حاتم الطائي وهو المعني، فكيف تسألني مائة درهم؛ لذلك لا أعطيك؛ لأن هذا شيء تافه لا يتناسب معنا.
فالناس مراتب ودرجات، فأنت لو ذهبت إلى ملك من ملوك الدنيا مثلاً وقلت له: أقرضني عشرة جنيهات، أو مائة جنيه، فكأنك تسبه، لكن عندما تأتي إلى شخص من نفس مرتبتك، وتقول له: أقرضني عشرة جنيهات لأقرضك دون حرج، لكن أن يذهب شخص إلى بيت حاتم الطائي ويقول له: أعطني مائة درهم، كأنك قلت له: أعطني عشرة جنيهات، فـ عدي قال له: أنا سأعطيك المائة التي طلبت وفوقها أربعمائة.
ولذلك من أبهة الملك ألا يرد الملك أو الزعيم أو الرئيس سائل مهما كان سؤله، إن سأل مالاً أعطاه الذي سأله وزيادة؛ ليس لأنه يريد أن يعطي، لكن لا يتناسب مع المكانة والمنزلة ألا يعطي، فيقال عنه: إنه ملك بخيل أو رئيس بخيل.
أما الآن فالرؤساء لا يصل إليهم السائل، حتى وإن الشعوب لم تعد تسأل، ولذلك كانت الشعوب في المائة الأولى تعلم قدر الملوك ومنزلتهم.
فقيل: إن أعرابياً دعي لتناول طعام عند ملك من الملوك، فأطعمه الملك على مائدته وأكل معه، فقال الملك والأعرابي يتناول الطعام: يا أعرابي! هذه شعرة في طعامك، فغضب الأعرابي غضباً شديداً، وقال: أتراقبني مراقبة من يرى الشعرة في طعامي! فحينئذ شعر الملك بخطورة الأمر، فقال: استرها علي يا أعرابي ولك بها مائة بعير، قال: على أن تكون معجلة، فوافق الملك ودفع إليه مائة من بعير معجلة، على ألا يتكلم بها، لكن الأعرابي تكلم بها بعد وفاة الملك، وهو قد وفَّى بعض الشيء.
وقيل: إن أعرابياً ذهب إلى ملك من ملوك الدنيا، فقال له الملك: تتعشى معي، فقال: أنا شبعان، فقام إليه رجل وقال: إن طعام الملك ليس للشبع وإنما هو للشرف، أي: ليقال: إن الملك يأكل مع الأعراب أو البدو، ويقول البدوي: إني أكلت مع الملك، فليس كل دعوة توجه إليك قابلة للرد، كما أنه ليس كل مائدة منصوبة لم تدع إليها يحل لك أن تجلس عليها.