قال: [حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا هشام -وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي - عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العمرى لمن وهبت له).
وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام -وهو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي - حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير، حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال بمثله.
وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير بن معاوية بن حديج، حدثنا أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر بن عبد الله الأنصاري يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وحدثنا يحيى بن يحيى، واللفظ له، أخبرنا أبو خيثمة -هو زهير المتقدم- عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها؛ فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً، ولعقبه)].
يعني: أنه لما هاجر المهاجرون إلى المدينة وتركوا أرضهم وديارهم، أشفق عليهم الأنصار فأعمروهم أرضاً، وآثروهم على أنفسهم مع ما كان بهم من خصاصة، لكن كان الأمر في الجاهلية أن من أعمر شيئاً رده في أي وقت شاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن العمرى إنما هي عقد هبة، ولا يجوز للواهب أن يرجع في هبته، والراجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه، كما أن الذي يهب هبة ويرجع فيها ليس من مكارم الأخلاق، فلو أن رجلاً أعطى هدية لأهله، فلما تشاجرا طالبهم برد الهدية، فهذا في العرف من مساوئ الأخلاق، فكانوا في الجاهلية يتخلقون بهذا الخلق، فجاء الإسلام وبين أن العمرى من عقود الهبات التي هي بغير عوض, ولا يجوز لأحد أن يرجع فيها، كما أن ذلك ليس من مكارم الأخلاق، وإنما ذلك من مساوئها.
فلما أعمر الأنصار المهاجرين ذلك، خشي النبي عليه الصلاة والسلام أن يتمثل الأنصار أخلاق الجاهلية، وأن يطالبوا المهاجرين بما وهبوهم إياه بعد مدة من الزمان، أو في أي وقت شاءوا؛ فقال:(مهلاً يا معشر الأنصار! فإن من أعمر عمرى -أي: لأخيه- فهي له حياً وميتاً، وإذا مات انتقلت إلى ورثته).
فلا بد أن تعلموا هذا، وهذا عند الإطلاق بغير قيد ولا شرط، يعني: إذا قال أحدهم لأخيه: أعمرتك هذه الدار؛ فلا بد أن يعلم أن هذه الدار سوف تنتقل إلى ورثة المعمَر، إلا إذا اشترط، وعلى المعمَر أن يقبل العمرى بشرطها أو بغير شرطها من أول الأمر.