[كلام النووي في حديث عمر: (حملت على فرس عتيق في سبيل الله)]
قال النووي: (قوله: (حملت على فرس عتيق في سبيل الله)، معناه: تصدقت به ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله، والعتيق: هو الفرس النفيس الجواد السابق) أي: المسرع الذي يسبق غيره.
ثم قال: (قوله: (فأضاعه صاحبه)، أي: قصر في القيام بعلفه ومؤنته.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)، هذا نهي تنزيه لا تحريم، فيكره لمن تصدق بشيء أو أخذه في زكاة أو كفارة أو نذر ونحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه، أو يهبه، أو يتملكه باختياره منه، فأما إذا ورثه منه فلا كراهة فيه).
يعني: الوالد إذا وهب ولده شيئاً؛ فله أن يرجع في هذه الهبة، أما الولد إذا وهب والديه أو أحدهما شيئاً؛ فلا يجوز له أن يأخذ هذه الهبة إليه مرة أخرى، إلا عن طريق الميراث؛ لأنه لما وهبه وهبه بالطريقة الشرعية، ولما انتقل إليه الميراث انتقل بطريق شرعي.
حدثت مشكلة منذ عدة أشهر وهي: أن رجلاً كان موسعاً عليه في المال، وكان يعطي والده ووالدته من بعد والده من ماله، فلما ماتت والدته نازع الورثة بأن هذا الولد الذي كان يعطي لوالديه المال لا يجوز له أن يأخذ من هذا الميراث، واستدلوا بهذا الحديث، قالوا: لأنه كان واهباً ومتصدقاً، وهذا المال الذي ينتقل الآن عن طريق الإرث معظمه مال هذا المتصدق، وبالتالي فلا يحل له أن يأخذ منه شيئاً.
فجاءوا إلي فقلت لهم: ينتقل إليه عن طريق الميراث.
قالوا: دليلك؟ قلت: دليلي كيت وكيت وكيت قالوا: كثير من العلماء لم يقولوا كذا.
المهم حصلت مشكلة مفادها أن ذلك اتباع للهوى، وهذا هو حال كثير من الناس، ما دام في صالحه وافقك، وإلا لو أتيته بمئات الأدلة من كتاب الله ومن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الأدلة تمنعه من أخذ بعض متاع الدنيا، فإنه لا يوافقك.
المهم أنك إن وافقتهم وافقوك، وإن خالفتهم ولو كان معك الكتاب والسنة خالفوك.
ثم قال: (وقد سبق بيان هذا في كتاب الزكاة، وكذا لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق فلا كراهة).
يعني: لو أن هذا الرجل الذي تصدقت عليه وحملته على هذا الفرس اسمه عمرو، فقام عمرو وباع هذا الفرس من غيرك، فيجوز لك أنت كمتصدق بهذا الفرس أصلاً أن تشتريه من غيره بلا كراهة، إنما المحظور أن تشتريه ممن تصدقت عليه، أما من غيره فلا حرج في ذلك، لكن يشترط أن يكون البائع الآخر مالكاً له، لا موكلاً من قبل صاحبه؛ لأن الموكل والوكيل كلاهما سيحابي صاحب الفرس المتصدق به أولاً.
أما الآخر فإنه يبيعه دون محاباة، وينازع في الحصول على أعلى سعر لهذا الفرس، بخلاف المتصدق عليه.
ثم قال: (هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال جماعة من العلماء: النهي عن شراء صدقته للتحريم لا للكراهة، والله أعلم).