[شرح حديث: (يأكل أهل الجنة فيها ويشربون)]
قال: [وحدثني الحسن بن علي الحلواني].
الحلواني وليس الحَلواني.
أي: من حلوان، وهي قرية في العراق اسمها حلوان؛ لأن حلوان المشهورة عند المقرئين هي حلوان المعروفة، لكن هناك قرية أعظم منها وأشهر قبل أن يكون في مصر حلوان كانت في العراق، وكانت نهضة لأهل العلم في زمن من الأزمنة، فـ الحسن بن علي الحلواني، وحجاج بن الشاعر كلاهما يرويان عن أبي عاصم النبيل.
[قال الحلواني: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج] وهو عبد الملك بن عبد العزيز الأموي كان إماماً في العلم، ولكنه مدلس، والمدلس إذا صرح بالسماع أخذنا حديثه وإلا فلا، فهذا ابن جريج يقول: أخبرني أبو الزبير.
وأبو الزبير يقول: أخبرني، وأخبرني من صيغ السماع أو من الصيغ التي تفيد السماع.
إذا قال المدلس: أخبرني، أو أنبأني، أو حدثني، أو سمعنا، أو حدثنا، أو أنبأنا، فكل هذا الألفاظ تدل على أنه قد سمع بنفسه، فإذا قال مدلس شيئاً من هذه الصيغ أمنا بذلك تدليسه، واحتملنا حديثه، وكذلك أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس هو مدلس، ولكنه قال: أنه سمع جابر بن عبد الله، فنأمن بذلك من تدليس ابن جريج ومن تدليس أبي الزبير.
[عن جابر قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يأكل أهل الجنة فيها، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يبولون، ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك، يلهمون التسبيح والحمد -أي: والتحميد- كما يلهمون أو تلهمون النفس)].
يقول الإمام النووي: (مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ويتنعمون بذلك وبغيره من ملاذ وأنواع نعيمها تنعماً دائماً لا آخر له ولا انقطاع أبداً)، وأهل الجنة إذا دخلوا الجنة لا يموتون فيها، فالجنة نعيمها دائم لا ينقطع وبين أيديهم وفي متناولهم في كل وقت وحين، وهم لا يموتون فيها أبداً.
إذاً: نعيمهم دائم دواماً لا نهاية له، ولا انقطاع له.
قال: (وإن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا) يعني: هم يتنعمون في الجنة كما كانوا يتنعمون في الدنيا.
يعني: هو يريد أن يمعن إمعاناً في إحقاق مذهب أهل الحق من أهل السنة أنهم يأكلون أكلاً حقيقاً ويشربون شرباً حقيقاً كما كانوا يأكلون ويشربون في الدنيا إلا ما بين الدنيا والآخرة من التفاضل في اللذة والنفاسة.
(النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة كسوف القمر لما صلى بأصحابه فتأخر صلى الله عليه وسلم حتى كاد أن يصل إلى الصف الأول ثم تقدم عليه الصلاة والسلام ومد يده ثم وضعها على صدره واستمر في القراءة، قالوا: يا رسول الله! ما بالك فعلت شيئاً لم نكن نعهده عليك؟ قال: رأيت الجنة والنار رأي العين، وإن إبليس أتى بشهاب من نار وأراد أن يشوش علي صلاتي فتأخرت، فلما ذهب تجلت لي الجنة فتقدمت حتى كدت أقطف منها عنقوداً -ولما مد يده كاد يقطف منها عنقوداً -: ولو أني فعلت ما شبعتم منه إلى يوم القيامة) يعني: من هذا العنقود فقط فإن البشر يستمرون يأكلون منه إلى يوم القيامة لا يشبعون من جماله وحلاوته.
أنت في هذا الوقت لو وضع أمامك قليل من العنب لابد أن بركة يوسف والي ستحل في هذا الطبق من كيماويات وغير ذلك، فلا شك أنك تأكل شيئاً يسيراً ثم ترفع يدك وتقول: كفاية سم، مع أنه في الأصل عنب وهو في الظاهر لذة، لكنه سم في العنب، وقس على العنب كل أنواع الثمار، والفواكه، والخضروات، حتى القمح إذا كنا إلى يومنا هذا نزرع القمح، والذي ذلنا هو أننا لا نزرع القمح.
قال: (وإن تنعم الجنة بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا يشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية وأصل الهيئة).
يعني: هذا تفاح وهذا تفاح، لكن شتان بينهما، وهذا عنب وهذا عنب، لكن شتان بينهما، وشتان ما بين الطعم والمذاق واللذة وإن اتفقا في الهيئة والشكل والاسم، فليس بين نعيم الجنة ونعيم الدنيا من شبه ومماثلة إلا في الاسم والهيئة، أما في الجوهر فيختلف تماماً.
وأهل الجنة لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يبصقون، وقد دلت دلائل القرآن والسنة في هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره أن نعيم الجنة دائم لا انقطاع له أبداً، لن يكون أحد في الجنة بخيلاً، لا توجد هذه الأشياء التي هي في الدنيا، ودناءة الأنفس أيضاً لن يكون لها أصل في الجنة، وعلى آية حال ما من شيء يطلبه العبد من ربه إلا وهو بين يديه بإذن الله تعالى.