[باب غزوة بدر]
الباب الثلاثون: (باب غزوة بدر).
[حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان -وهو ابن مسلم الصفار البصري - قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت وثابت هو ابن أسلم البناني - عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة الأنصاري فقال: إيانا تريد؟ يا رسول الله! والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها -يعني: لو أمرتنا أن نخيض الخيل البحر لفعلنا ذلك- ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس -أي: حثهم على القتال- فانطلقوا حتى نزلوا بدراً، ووردت عليهم روايا قريش -أي: الذين ذهبوا ليتحسسوا وجود الماء.
روايا: جمع راوية.
وهو الذي يذهب ليستقي للناس- وفيهم غلام أسود لبني الحجاج، فأخذوه -أي: فأخذه المسلمون- فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه؟ فيقول: ما لي علم بـ أبي سفيان -أي: أنا لا أعرف عنه شيئاً- ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه) أي: ضربه أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام (فقال: نعم.
أنا أخبركم هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بـ أبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال هذا أيضاً ضربوه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فلما رأى ذلك انصرف)] أي: سلّم من صلاته بعد أن أتمها بسرعة وعجلة.
وفي هذا جواز -بل استحباب- تعجيل الصلاة إذا نادى عليك مناد ذو هيئة، كالأم والأب، أو صاحب عذر كمريض يستغيث أو غريق أو إمام أو أمير أو سلطان أو عالم جليل، كل هؤلاء أصحاب هيئات ووجاهات، فإذا نادى عليك أحدهم وهو لا يعلم أنك في صلاة فعجّل بها إذا كانت نافلة؛ ولذلك نادى النبي عليه الصلاة والسلام على أبي بن كعب وهو يصلي فاستمر في صلاته، فلما سلّم من صلاته أتى وقال: (لبيك يا رسول الله! قال: ما منعك أن تُجيبني إذ دعوتك؟ قال: يا رسول الله! كنت أصلي.
قال: أما قرأت قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:٢٤]؟ أما قرأت هذا يا أبي؟) فكان من كان يصلي نافلة من أصحابه عليه الصلاة والسلام ورسول الله يناديه يقطع الصلاة استجابة وتلبية لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هذا الحكم منسوخ بموت النبي عليه الصلاة والسلام، ويبقى استحبابه لأهل الوجاهات والهيئات كما ذكرنا آنفاً بتعجيل الصلاة لا بقطعها.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن انصرف من صلاته: [(والذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم وتتركوه إذا كذبكم)] أي: أنتم تقولون له: ماذا تعرف عن أبي سفيان؟ فيقول: أنا لا أعرف عنه شيئاً، ولكن أعرف عن فلان وفلان وفلان، فتضربونه حتى يأتي لكم بخبر أبي سفيان، وفي الحقيقة هو لا يعلم خبر أبي سفيان.
وهذه معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام أنه أخبر عن صدقه وهو لم يكن معه.
فقال: (تضربونه إذا صدقكم وتتركونه إذا كذبكم).
وكأن النبي عليه الصلاة والسلام ينعى على أصحابه ضرب المتهم، وأنه متهم حتى تثبت إدانته؛ لأن الأصل في الشرع أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته، فالإنسان بريء وليس متهماً، أما سلوك سبيل الضغط والتعذيب والكهربة والسحب والجر على الأرض والرمال وغير ذلك حتى يتكلم بشيء لم يعلمه أو لا علاقة له به أو غير ذلك فهذا مذهب المجرمين لا مذهب الموحدين؛ ولذلك نعى النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه أنهم ضربوا هذا الغلام الأسود المشرك الذي جعله قومه عيناً وجاسوساً على المسلمين، نعى عليهم أنهم ضربوه، لأنه صادق فيما يُخبرهم، فهو لا يعلم شيئاً عن أبي سفيان، ولكنه من شدة التعذيب والضرب يقول لهم: نعم.
أنا أعلم خبر أبي سفيان فيخبرهم بخبر أو بخبرين فيتركونه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي حمله على الكذب تعذيبهم له.
قال أنس: [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا مصرع فلان) هنا سيموت فلان، وهنا سيموت فلان، أي: من صناديد الشرك والكفر.
قال: [(هذا مصرع فلان، ويضع يده على الأرض ها هنا وها هنا قال: فما أماط -أي: فما تباعد- أحدهم عن موضع