[فوائد حديث أبي أيوب في غسل المحرم رأسه وبدنه]
هذا الحديث فيه فوائد: منها: جواز اغتسال المحرم، وغسله رأسه، وإمرار اليد على شعره بحيث لا ينتف شعراً، وأنتم تعلمون أن هذا غير مأمون وغير مضمون، وليس فيه كفارة؛ لأنه ما قصد إسقاط الشعر.
ومنها: قبول خبر الواحد، والرجوع إلى النص عند الاختلاف لا إلى قول الفقيه؛ ولذلك يقول ابن القيم عليه رحمة الله: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه فإذا كان خلاف الفقهاء للنص خلافاً ظاهراً لا يحتمله النص، لا يكون خلافاً معتبراً ولا يصار إلى رأي هذا الفقيه، إنما يصار إلى النص؛ لأنه ظاهر لا يحتمل التأول.
أما إذا كان نصه -أي: النص في القرآن أو السنة- يحتمل التأويل، وأن الفقهاء أولوا هذا النص على مذهبين أو أكثر بحيث يحتمل النص جميع هذه التأويلات، فلا ينكر على المخالف حينئذ.
ومنها: السلام على المتطهر في وضوء وغسل بخلاف الجالس على الحدث.
وإن كان الجالس على الحدث يجوز إلقاء السلام عليه، والأفضل ترك ذلك، وليس هناك دليل صحيح ينهى عن إلقاء السلام على المحدث، لكن ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن الرجلين يختليان فيتحدثان.
ومن هذه الفوائد: جواز الاستعانة في الطهارة، والأولى ترك ذلك.
والنبي عليه الصلاة والسلام قد أعانه عليه غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، في الإتيان بماء للاستنجاء أو ماء للوضوء كما فعل أسامة بن زيد والمغيرة بن شعبة، وبلال، وأنس وغيرهم كثير قد أعانوا النبي عليه الصلاة والسلام على إتمام طهارته، حتى غسل القدم، واعتذر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغيرة بن شعبة، وأنه إنما أدخلهما طاهرتين، لما هوى المغيرة ليخلع خف النبي عليه الصلاة والسلام قال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين).
وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منعه من ذلك لا لأن ذلك مكروه، ولكنه أدخلهما طاهرتين، ولو لم يكن على هذه الحال لجوز له وأذن له أن يفض النعل من رجله، ولكن الأولى ترك ذلك لما يمكن أن يلحق بالمتطهر من كبر أو عجب، أو غير ذلك.
فمن آنس من نفسه رشداً، وأن ذلك لا يؤثر على تواضعه وإخباته فإنه لا يمنع من ذلك، والأمر في حقه جائز، والأولى تركه.
والله أعلم.
اتفق العلماء على جواز غسل المحرم رأسه وجسده من الجنابة، بل هو واجب عليه، وأما غسله تبرداً فمذهب الشافعية، ومذهب الجمهور جوازه بلا كراهة، ويجوز عندنا أي: عند الشافعية غسل رأسه بالسدر والخطمي؛ بحيث لا ينتف شعراً، فلا فدية عليه ما لم ينتف شعراً.
وقال أبو حنيفة ومالك: هو حرام موجب للفدية، والصحيح هو مذهب جماهير أهل العلم.