وتصح التوبة من ذنب وإن كان مصراً على ذنب آخر؛ لأن كل ذنب له توبة تخصه كما قال العلماء، فلو أن إنساناً يسرق ويزني، ثم تاب من السرقة، لكنه لم يتب من الزنا، فإن استمراره على الزنا لا يؤثر على توبته من السرقة، وتوبته من الذنب الأول مقبولة، ويبقى عليه أن يتوب من الذنب الثاني.
وإذا تاب توبة صحيحة بشروطها، ثم عاود ذلك الذنب، كتب عليه ذلك الذنب الثاني، ولم تبطل توبته الأولى، وهذا مذهب أهل السنة في المسألتين، وخالفت في ذلك المعتزلة فقالوا: الأصل أن يتوب توبة عامة من جميع الذنوب، وإلا فلا تقبل توبة جزئية، وهذا -حتى من جهة العقل- الذي يتشدق به المعتزلة كلام غير مقبول.
ولذلك إذا أتى شخص يقول: أنا أسرق وأزني، وقد تبت من الزنا، ولا زلت قائماً على السرقة، فهل تقبل توبتي أم لا؟ فإن قلنا له: لا بد أن تتوب من الاثنين، وإلا فتوبتك غير مقبولة، سيقول: إذن ما دام أن توبتي لم تقبل، فسأعمل الذنب الثاني والثالث والعاشر والمائة.
فيقع في جميع الكبائر والصغائر، فكان من جهة العقل أن ينخلع من ذنبه المتبقي، أما أن نوصد الباب أمامه تماماً فلا شك أن ذلك يؤيسه ويقنطه من رحمة الله، وإذا بلغ إلى هذا الحد فإن ذلك يوقعه في جميع الكبائر باستهتار، وربما باستحلال فيقع في دائرة الكفر.