وأما القدر فهو تقدير الله سبحانه وتعالى للأشياء تقديراً يبين هيئاتها ويحددها كماً وكيفاً، زماناً ومكاناً على حسب ما سبق في علم الله الأول، وتقدير الله للأشياء مسبقاً قبل أن توجد يشمل تحديد الأشياء من حيث هيئاتها وزمانها ومكانها، وهذا التقدير تم قبل أن يخلق الله الأرض والسماء بخمسين ألف سنة، وهذا يدل على عظمة الله وقدرته.
يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).
وهذا نص في إثبات الكتابة، وهي المرتبة الثانية من مراتب القدر، (وكان عرشه على الماء).
وهذا الحديث عند مسلم في صحيحه.
فكل شيء قد قدر زماناً ومكاناً كما أراد الله سبحانه، وقد جاء في آيات كثيرة من القرآن الكريم بيان ذلك، والمتأمل فيها يجد أن آيات القدر تحمل في طياتها بيان وإثبات عظمة الله وجلاله وقدرته، فمثلاً في أول سورة الفرقان أخبر الله سبحانه وتعالى أن كل شيء بقدر، وأنه قدر المخلوقات تقديراً، وقبل أن يثبت ذلك قدم له بقوله:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:١]، إلى أن قال الله سبحانه:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان:٢].
فهو سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولذلك لما جاء مشركو قريش يخاصمون الرسول صلى الله عليه وسلم في القدر نزل قول الله تعالى يرد عليهم إفكهم وافتراءهم وزورهم ويقول:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:٤٩].
ثم عقب بما يبين عظمته وشمول قدرته فقال:{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}[القمر:٥٠].
والعقول القاصرة التي عجزت عن أن تفهم أن الله سبحانه محيط بكل شيء -بما كان وما سيكون- ليس لها من نور الإيمان بالقضاء والقدر نصيب، كما قال عبادة بن الصامت لابنه عند الموت: إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من مات على غير هذا فليس مني).
وفي الحديث الآخر:(لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر)، أي: لا يؤمن على غير هذا الاعتقاد، وهو أن الله قدر كل شيء وأحاط بكل شيء علماً.