[باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة]
الباب الحادي عشر: (باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة).
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (فُضّلت على الأنبياء بخمس.
منها: وأُحلّت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي)، أما من كان قبل النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء فقد كانوا يجمعون الغنائم ثم تنزل نار من السماء فتأكل هذه الغنائم.
وهذا دليل على أن الله تقبّل هذه الغنائم من هذا النبي ومن كانوا معه.
وعلِم الله تعالى ضعفنا وحاجتنا -خاصة في أول الرسالة المحمدية- إلى المال، فأحل الله تعالى لهذه الأمة الغنائم، قال: (فُضّلت على الأنبياء بخمس.
منها: وأُحلّت لي الغنائم ولم تحل لأحد من الأنبياء قبلي).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام: (غزا نبي من الأنبياء -قيل: هو يوشع بن نون عليه السلام- فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن) يقول لهم: أنا ذاهب لأحارب، فالذي يريد أن يأتي معي فليأت، ولكن بشرط ألا يكون فيكم من عقد على امرأة ولم يبن بها بعد؛ لأنه سيكون مشغولاً بحبيبة القلب، فهذا لا يصلح للجهاد، ولا بد للمجاهد أن يفرغ القلب تماماً لله عز وجل.
قال: (وهو يريد أن يبن بها، ولمّا يبن) أي: أنه لم يبن بعد ولكنه سيبني في المستقبل، فـ (لمّا) لنفي الماضي وجواز تحقق المستقبل.
(ولا آخر قد بنى بنياناً ولمّا يرفع سقفها)؛ لأن هذا الذي يبني بيتاً يتمنى لو أنه بلغ بهذا البيت التمام والكمال، فهو سيكون مشغولاً بذلك، وهذا لا يصلح للجهاد قال: (ولا آخر قد اشترى غنماً أو خلفات) والخلفات: هي الحوامل من الغنم والبقر وغير ذلك.
قال: (وهو منتظر ولادها) وهذا رأس مال العرب.
(قال: فغزا بمن معه، فأدنى للقرية حين صلاة العصر) أي أنه اقترب من القرية التي يريد القتال معها عند صلاة العصر.
قال: (أو قريباً من ذلك، فقال للشمس) فهل هذه الشمس عاقلة وتسمع، وتؤمر فتأتمر بالأمر؟ قال الله: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١] جعل الله عز وجل لها إدراكاً ففهمت الأمر وأجابت، ولكل نبي معجزات، فقال هذا النبي للشمس: (أنتِ مأمورة وأنا مأمور) وانظروا إلى هذا الخطاب الجميل جداً بين النبي وبين آية من آيات الله وهي الشمس.
أي: أنتِ مسخّرة وأنا مسخّر، كلانا عبد الله عز وجل.
قال هذا النبي: (اللهم احبسها علي شيئاً).
وهذا الحديث غصة في حلوق كثير ممن يُنسبون إلى العلم، فهم يقولون: هذا العلم من الخرافات مع أنه في الصحيحين، كيف يحبس الله الشمس بدعوة رجل؟ نقول هذا: الرجل في نفسه آية من آيات الله، ونبي من الأنبياء.
قال: (فحبست عليه حتى فتح الله عليه)؛ وقد يكون ذلك إما لأنهم ما كانوا يحاربون إذا دخل الليل، أو أن ذلك محمول على أنه خشي فوات صلاة العصر، فدعا الله عز وجل أن يحبس عليه الشمس.
أي: يوقفها ويثبتها فلا تتحرك ولا تغيب حتى يفتح الله عز وجل عليه هذه القرية.
قال: (ففعل).
قال: (فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه) أي: جمع الغنائم، ثم رفعها في قمة جبل لتنزل النار فتأكلها، فنزلت النار فلم تأكلها ولم تطعمها، وهذه علامة من علامات رد القربان، فمن المؤكد أن هناك شيء؛ لأن علامة قبول القربان والطاعة أن تأكل النار هذه الغنائم.
فقال هذا النبي للجيش: (فيكم غلول) أي: أنه لا بد أن أحدكم غل وأخذ من الغنيمة وسرق، فقال: (فيكم غلول.
فليبايعني من كل قبيلة رجل -يبايعني يعني: يصافحني- فبايعوه فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول.
فلتبايعني قبيلتك.
فبايعته قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم، قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب.
قال: فوضعوه في المال وهو بالصعيد -أي: ألحقوه ببقية الغنائم على مكان مرتفع- قال: فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا -هذا الشاهد- ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا).
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.