[باب أكل الناسي وشربه وجماعه وأن ذلك كله لا يفطر]
قال: [باب أكل الناسي وشربه وجماعه وأن ذلك كله لا يفطر.
وحدثني عمرو بن محمد الناقد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم -وهو ابن علية - عن هشام القردوسي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه)] ورد في الحديث الماضي: (يدع طعامه وشرابه وشهوته لأجلي) فالصيام: هو الامتناع عن الطعام والشراب والجماع.
إذا أكل ناسياً صح صومه، وإذا شرب ناسياً صح صومه، وإذا جامع ناسياً صح صومه، وهذا مذهب الجمهور، لكن من جامع ناسياً هذه لا تكون إلا في أوائل رمضان، يحدث فيها ويقع فيها الخطأ كثيراً جداً.
تجد شيخاً محترماً يمشي في أول يوم من رمضان في الشارع وهو يأكل ويشرب، كان لي أخ من الإخوة الأفاضل الطيبين يعني شيخ كبير، وكنت في يوم مضطراً لأن أكلفه بأن يأتي بأولادي من المدرسة، فذهب لإحضارهم، وكان أولادي قد اشتروا بمصروفهم بعض المكسرات وركبوا معه في الباص فناولوه الكيس، فقال لهم: لا لا، كلوه أنتم، فقالوا: والله إنك ستأخذ منه، فأخذه وجعل يأكل منه من الجيزة إلى أن قطع مسافة كبيرة، ثم تذكر أن هذا أول يوم في رمضان وكان قد نسي ذلك تماماً، فيقول: أدركت بعد ذلك نظر الناس إلي شزراً في الباص وعلى الطريق، يقول: وقعت في حرج وخجل شديد جداً، وكنت أريد أن أبحث عن الناس الذين رأوني وأقول لهم: عذري كان كيت وكيت، فهذا يقع، فالذي يجعله يقع في الطعام والشراب يقع أحياناً في الجماع، أو نحن سنفترض هذا الفرض إذا جامع ناسياً ما حكم صومه؟ هذا الذي نأخذه.
يقول النووي رحمه الله: (في هذا الحديث دلالة لمذهب الأكثرين أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسياً لا يفطر) يعني: مذهب الجمهور أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسياً لا يفطر، وممن قال بهذا الشافعي وأبو حنيفة وداود وآخرون.
وقال ربيعة ومالك: يفسد صومه وعليه القضاء دون الكفارة -يفسد صومه بالطعام والشراب والجماع- مع أن الحديث قاض بأنه إذا أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه، وصيامه صحيح، وليتم صومه).
أما قوله: (فليتم صومه) فهو: يدل على أن صيامه صحيح.
وقوله: (فإنما أطعمه الله وسقاه) يعني: هذه منحة من الله عز وجل له.
قال: (وقال عطاء والأوزاعي والليث: يجب القضاء في الجماع دون الأكل، وقال أحمد: يجب في الجماع القضاء ولا كفارة، ولا شيء في الأكل والشرب).
والذي نرجحه: أن من أكل أو شرب أو جامع ناسياً لا شيء عليه، وصيامه صحيح ويتمه، فإنما هي منحة من الله عز وجل له، وهذا يكون في صيام الفرض وصيام النافلة على السواء.
أما من نام وحلم أنه جامع امرأته فهذا لا شيء عليه ألبتة، وما عليه إلا أن يغتسل وصيامه صحيح.
في الباب الرابع والثلاثين بيان صيام النبي عليه الصلاة والسلام في غير رمضان، واستحباب ألا يخلي شهراً من صومه.
استحباب فينبغي ألا يمر عليك شهر إلا وتجعل فيه لنفسك حظاً من الصيام، كأن تصوم ثلاثة أيام في الشهر، الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وكذلك يوم الإثنين والخميس، بحيث أن لا يخرج عنك الشهر بلا إحداث طاعة الصيام فيه، كما أنك لا تخلو في هذا الشهر من طاعة الصلاة وطاعة الزكاة ووجوه البر، فلا بأس أن تجمع مع هذه الطاعات عبادة الصوم.
فالنبي عليه الصلاة والسلام بين استحباب صيام الإثنين والخميس، والثلاثة الأيام من كل شهر، وكان يصوم أكثر شهر شعبان، وقد ثبت أنه ما أتم صيام شهر قط إلا شهر رمضان صلوات ربي وسلامه عليه.