للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خبر غزوة مؤتة واستشهاد قادتها الثلاثة]

عن ابن عمر قال: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال: إن قتل زيد فـ جعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر فـ عبد الله بن رواحة) قال ابن عمر: فكنت معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدنا بما أقبل جسده بضعاً وتسعين ما بين رمية وطعنة.

وعن أنس قال: حضرت حرباً فقال ابن رواحة: يا نفس ما لي أراكِ تكرهين الجنة أقسمت بالله لتنزلنه طائعة أو لتكرهنه فهو يؤدب نفسه ويقول لها: تخوضين الحرب وأنتِ طائعة أو لأنزلنكِ كارهة.

لا يكره الآخرين إنما يكره نفسه.

قال: وأما جعفر بن أبي طالب حين قتل دعا الناس: يا عبد الله بن رواحة! وهو في جانب المعسكر ومعه ضلع جمل ينهشه -أي: يأكل فيه ولم يكن ذاق طعاماً قبل ذلك بثلاث، فرمى بالضلع ثم قال: وأنت مع الدنيا! يؤدب بهذا نفسه! ثم تقدم فقاتل فأصيبت إصبعه، فارتجز فجعل يقول: هل أنتِ إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ يا نفس إلا تقتلي تموتِ هذا حياض الموت قد صليتِ وما تمنيتِ فقد لقيتِ إن تفعلي فعلهما هديتِ وإن تأخرتِ فقد شقيتِ أي: لا بد أن تتقدمي وتفعلي ما فعل الصاحبان، ثم قال: يا نفس إلى أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة إلى فلانة امرأته إنها طالقة، وإلى فلان وفلان -أي: من غلمانه والعبيد- فهم أحرار، وإلى معجف -اسم حائط له بستان- قال: هو لله ولرسوله، وهكذا تخلص من كل متاع، فبستانه وهبه لله ورسوله، والعبيد حررهم، والنساء طلقهن، فما الذي بقي؟ فقال: يا نفس ما لكِ تكرهين الجنة أقسم بالله لتنزلنه طائعة أو لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنة قد أجلب الناس وشدوا الرنة شدوا الرنة.

أي: بدأوا القتال.

ثم قاتل حتى قتل.

وعن أنس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة معتمراً قبل الفتح، وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهب الخليل عن خليله يقول ذلك مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان داخلاً مكة معتمراً لا مقاتلاً، وكأن ابن رواحة يحث الناس ويقول: أبعدوا الكفار من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا لنقاتلنهم مقاتلة تذهب الخليل عن، خليله وتزيل الهام عن مقيله.