شرح حديث الصعب بن جثامة في إهدائه حماراً وحشياً للنبي وهو محرم
قال:[باب تحريم الصيد للمحرم].
قال: [عن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه: (أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً)]، الحمار الوحشي يؤكل لحمه بخلاف الحمار الأهلي فإنه لا يؤكل لحمه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان بالأبواء أو بودان، وهما اسمان لمكانين بين مكة والمدينة، فبعد أن أحرم النبي عليه الصلاة والسلام أتى الصعب بن جثامة رضي الله عنه فأهدى حماراً وحشياً للنبي عليه الصلاة والسلام ليأكله، فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الصعب:(فلما أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي -لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد هديته- قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)، يعني: أنا ما رددت هديتك إلا أن المحرم لا يحل له هذا.
وفي رواية:(أهديت له حمار وحش)، وفي رواية:(أهديت له من لحم حمار وحش)، و (من) تفيد التبعيض، فمعناه: أنه قدم له بعض لحم الحمار ولم يقدمه حياً، وإنما قدم بعضه بعد أن ذبح، والبخاري عليه رحمة الله بوب لحديث هذا الباب، فقال: باب تحريم إهداء الوحش الحي، وقد أخطأ عليه رحمة الله، والروايات كلها عند مسلم وهي متفق على صحتها أن الإهداء إنما وقع على بعض اللحم لا على الحيوان وهو حي.
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال:(أهدى الصعب بن جثَّامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش وهو محرم فرده عليه فقال: لولا أنا محرمون لقبلناه منك)، وفي رواية منصور عن الحكم قال:(أهدى الصعب بن جثَّامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش)، فالرواية التي تقول:(أهدى حمار وحش) أطلقت على البعض الكل، وهذا سائغ في اللغة، كما تقول: أنا أكلت الطعام كله، وأنت في حقيقة الأمر تثبت أنك أكلت حتى شبعت، أما الطعام فربما لم تأكل منه ربعه أو خمسه أو أقل من ذلك، فأنت أطلقت الكل وأردت البعض.
وفي رواية شعبة: قال: (أهدى الصعب بن جثَّامة إلى النبي عليه الصلاة والسلام عجز حمار وحش يقطر دماً)، وهذه الرواية صريحة جداً في أن المهدى كان بعض الحمار الوحشي لا كل الحمار الوحشي، وأنتم تعلمون أن البعض لا يأكله إلا بعد الذبح.
وفي رواية شعبة عن حبيب قال:(أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم شق حمار وحش فرده) أي: النصف.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(قدم زيد بن أرقم فقال -وعبد الله بن عباس يستذكره- كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام -أي: وهو محرم- قال: أهدي له عضو من لحم صيد فرده -أي: ليس كل الصيد وإنما بعضه- فقال: إنا لا نأكله إنا حرم) أي: محرمون، وفي هذا استحباب لمن أراد أن يرد شيئاً أو لا يقبل الهدية أن يبين السبب تطييباً لخاطر المهدي، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن من عادته رد الهدية، فإذا ردها ردها لعلة شرعية، وبينها تطييباً لخاطر المهدي.