[باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد]
الباب الخامس والعشرون: بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد.
والمفرد يتحلل من الحج يوم النحر إما بعد التحلل الأصغر بأداء منسكين، أو بعد التحلل الأكبر بأداء ثلاثة مناسك، ومنها الطواف والسعي؛ لأن النساء لا يحللن للرجال إلا بعد الطواف والسعي.
فإذا كان الحاج مفرداً فإنه يذهب مباشرة إلى منى أو حتى إلى عرفات إذا لم يدرك يوم التروية، ولا شيء عليه في عدم إدراكها؛ لأن إدراك يوم التروية في منى سنة، وليست واجبة، وكذلك المبيت بمنى في هذه الليلة ليس واجباً، بل هو مسنون، فإذا أدرك الرجل الوقوف بعرفة فإنه ينزل بعد ذلك إلى مزدلفة بعد غروب شمس اليوم التاسع، فيصلي المغرب والعشاء جمع تأخير بمزدلفة، ويبيت بها، والمبيت بها واجب، ثم ينطلق بعد شروق الشمس يوم النحر إلى منى، فيرمي جمرة العقبة الكبرى بعد الزوال، أي: بعد الظهر في يوم النحر، ثم يحلق، وبذلك يتم له التحلل الأول، وهو الذي يحل له كل شيء إلا النساء.
فإذا نزل إلى مكة -أي: أفاض إلى مكة- وطاف طواف الإفاضة وسعى بين الصفا والمروة حل له كل شيء حتى النساء، وهذا يسمى عند أهل العلم التحلل الأكبر، يعني: الذي يحل له كل شيء حتى النساء، ولا يبقى عليه محظور من محظورات الإحرام.
والمفرد ليس عليه هدي، وإنما الهدي على المتمتع والقارن.
ولذلك ذهب أهل العلم إلى أن أفضل صور الحج الإفراد؛ لكماله وتمامه، وهم يرون أن الهدي عند القران والتمتع إنما هو لجبران الخلل والنقص فيهما، وهذا النقص هو عدم إلزام القارن والمتمتع بالخروج إلى الميقات في يوم التروية.
ومعنى ترجمة الباب: أن القارن والمفرد يشتركان في هذه الصورة، فكل منهما لا يتحلل إلا في يوم النحر، حتى لو جاء القارن قبل الحج بأسبوعين، والقارن يستحب له أن يدخل مكة في أول ذي الحجة أو قبل الحج مباشرة؛ حتى إذا اعتمر في اليوم السادس أو الخامس أو السابع من ذي الحجة لا يبقى إلا يوماً واحداً، ثم ينطلق بملابس إحرامه إلى منى في يوم التروية، ولا يمكث كثيراً بملابس إحرامه في بيوت مكة أو في بيت الله الحرام.
فلو أتى قبل ذلك بأسبوع أو بأسبوعين فإنه يلزمه أن يبقى في ملابس إحرامه ولا يتحلل لا تحللاً أصغر ولا أكبر حتى يؤدي حجه، ويتحلل من الحج في يوم النحر، كالمفرد تماماً.
فالقارن والمفرد يشتركان في أن كلاً منهما يتحلل في يوم النحر، بخلاف المتمتع، فالمتمتع بمجرد أن يدخل مكة ويعتمر يتحلل بعد الحلق عند جبل المروة، ثم يحل له كل شيء حتى النساء، ثم يهل من مكانه بالحج يوم التروية، أما القارن فلا يجوز له أن يتحلل إلا بعد ثلاثة من رمي جمرة العقبة الكبرى والذبح والحلق والطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة.
قال: [عن حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (يا رسول الله! ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ -يعني: لماذا بعض الناس ومعهم بعض أصحابك أو كثير منهم حلوا بعد أن أدوا العمرة وأنت لم تحلل وقد اعتمرت معهم؟ - قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر)]، يعني: حتى أذبح في يوم النحر.
وتلبيد الرأس قد بيناه في الدروس الماضية، وأما تقليد الهدي أو إشعاره فهو سوق الهدي من الميقات مقلداً مشعراً، وسوق الهدي من الميقات يجب على القارن، وأما المتمتع فإنه يشتري هديه من أي مكان، سواء من منى، أو من عرفة، أو من مزدلفة، أو من مكة، أو من أي مكان، ولا يلزمه أن يسوقه، فإن ساقه صار قارناً، وإذا ساق الهدي من الميقات يسن أن يشعره في خده الأيمن أو في صفحة وجهه الأيمن، وأن يقلده في قدمه، إما بلبس نعل، أي: يلبسه جلداً في قدمه، أو يحيط قدمه بحبل أو شيء ليميزه بذلك.
ومعنى إشعار الهدي في صفحة وجهه الأيمن أي: جرح الهدي وتلطيخه بالدم في جانبه الأيمن، أو جرح أذنه؛ حتى يعلم من نظر إليه أنه هدي، وليس أمراً مشاعاً يلتقط، فإذا التقطه أحد لزمه أن ينادي عليه؛ لأنه قد أوقف لله عز وجل.
فالإشعار هو: جعل علامة أو دليل أو أمارة في وجه الهدي بجرحه في صفحة خده الأيمن أو بوضع علامة في أذنه أو غير ذلك، والتقليد بمعنى: تقليد قدمه بشيء، أي: وضع علامة في قدمه، إما خيط يميزه، أو حبل، أو لبس نعل من الجلد، أو غير ذلك بحيث يميز؛ حتى إذا نظر إليه ناظر عرف أنه هدي موقوف لله عز وجل.
قال: (إني لبدت رأسي وقلدت هديي -أي: سقت هديي من الميقات- فلا أحل حتى أنحر).
وهذا الحديث دليل على المذهب الصحيح المختار الذي قدمناه واضحاً بدلائله في الأبواب السابقة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً في حجة الوداع.
وفي رواية أنه قال لها: (فلا أحل حتى أحل من الحج).
قال: [وقالت حفصة رضي الله عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع، قالت حفصة: فقلت: ما يمنعك أن تحل أنت كذلك؟ -يعني: أنت تأمرنا أن نحل بعد أداء العمرة فما الذي يمنعك أن تحل أنت كذلك؟ - إني لبدت رأسي وقلدت هديي -أي: س