[اختلاف العلماء في نص النبي صلى الله عليه وسلم على إمامة أبي بكر]
في هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة، وهذه المسألة محل نزاع، وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام نص على خلافة أبي بكر.
قال: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)، لكن هذا في عموم الاقتداء، ومن الممكن أن يصرف النص عن ظاهره، فتكون خلافة أبي بكر على عموم الاقتداء، وأن هؤلاء من أئمة الهدى، بل أعظم أئمة الهدى من بعده، ولكن لا يلزم أن يكون الخليفة من بعده أبو بكر؛ لأنه يجوز نصب المفضول في وجود الفاضل، وغير ذلك من النصوص، ولا داعي لسردها؛ لأننا لسنا بصدد هذا، وهناك أدلة أخرى كثيرة على نص الإمامة لـ أبي بكر، منها: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) فهذه إمارة الصلاة! والمعروف أن إمارة الصلاة جزء من الإمارة العامة، وليست هي الإمارة العامة، ومع ذلك فالنصوص كلها الواردة في إمارة وخلافة أبي بكر ليست صريحة في الخلافة العامة، بل مؤولة؛ ولذلك لم يختلف أهل السنة والجماعة على أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة أبي بكر.
فهذه النصوص في ثبوت الإمامة، وأنه من أئمة الهدى إشارة إلى خلافته.
إذاً: خلافة أبي بكر الصديق معلومة بالإشارة، وهذا قول جمهور أهل السنة.
ومنهم من قال: لا.
هذه النصوص كلها تُحمل على الخلافة العظمى، فتكون إمامة أبي بكر معلومة في الدين بالنص الظاهر.
وهذه المسألة من مسائل الخلاف عند أهل السنة والجماعة، ولذلك هم لا يبدّعون ولا يفسّقون المخالف؛ لأن هذه من مسائل الخلاف المعتبر عند أهل السنة والجماعة، تماماً كما في التفضيل بين عثمان وعلي رضي الله عنهما، فمنهم من كان يفضّل عثمان على علي، ومنهم من كان يفعل العكس، ويقولون: إمامة عثمان بن عفان جائزة في حضور علي بن أبي طالب وإن كان علي أفضل منه، لكن انعقد الإجماع بعد ذلك على رفع هذا الكلام، وأن عثمان أفضل من علي، وأولى بالإمامة من علي، وأن الخلفاء الراشدين الأربعة على ترتيبهم في الخلافة هم على ترتيبهم في الفضل، فـ أبو بكر أفضل من عمر، وعمر أفضل من عثمان، وعثمان أفضل من علي، وهذا هو الراجح.
وكما قال الأصوليون: الإجماع بعد الخلاف يقطعه.
إذا كانت هناك مسألة محل نزاع، ثم عقد الإجماع بعد ذلك على أحد الرأيين، فلا شك أن الخلاف قبل ذلك ينقطع.
ففي هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة وهو إجماع أهل السنة وغيرهم.
قال القاضي: وخالف في ذلك بكر ابن أخت عبد الواحد، فزعم أنه نص على أبي بكر.
وقال ابن الراوندي: نص على العباس.
وقال الشيعة والرافضة: نص على علي.
وهذه دعاوى باطلة وتحفيز على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحس؛ وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على اختيار أبي بكر، وعلى تنفيذ عهده إلى عمر، وعلى تنفيذ عهد عمر بالشورى، ولم يخالف في شيء من هذا أحد، ولم يدع علي ولا العباس ولا أبو بكر وصيتهم في وقت من الأوقات، وقد اتفق علي والعباس على جميع هذا من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت.
فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية -كما تزعم الشيعة- فقد وصف الأمة إلى اجتماعها على الخطأ، واستمرارها عليه، وكيف يحل لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة والكذب والاتفاق على الباطل في كل هذه الأحوال، ولو كان شيء لنُقل، وإنه من الأمور الموضوعة.