[باب في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم والجمال]
(باب في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم والجمال).
السوق: هو مجمع الناس، حتى لا تقيسه أنت بسوق الدنيا سوق الخضار أو غيره، فمعنى كلمة السوق هو الذي يساق الناس إليه، أو يسوقون أنفسهم إلى هذا المكان فيجتمعون فيه.
قال: [حدثنا أبو عثمان -وهو سعيد بن عبد الجبار البصري - حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت -وهو ابن أسلم البناني - عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لسوقاً)].
يعني: في الجنة سوق كما أن في الدنيا سوقاً، وهذا تشبيه للوجود بالوجود، كما أن الدنيا فيها أسواق موجودة فكذلك الجنة فيها سوق موجود، ولا يلزم من ذلك المماثلة والمشابهة من كل وجه.
قال: [(إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة)].
ومعنى: يأتونها كل جمعة أي: في مقدار كل جمعة يأتونها الناس ويجتمعون فيها، فلا يجتمعون في يوم معين، وكلمة اليوم تطلق على النهار، وكلمة الليل تطلق على الليل، واليوم لا يشبه الليل والنهار وإنما هو مختص بالنهار فحسب، وفي مصنفات أهل العلم ذكروا بعض عناوين للكتب مثل: أذكار اليوم والليلة، وأعمال اليوم والليلة، فاليوم يطلق على النهار، وأنتم تعلمون أن الجنة لا شمس فيها، ولا زمهرير، ولا ليل، ولا نهار، وبالتالي لا يوم فيها، ولا ليل، وحينئذ نقول: يقدر الوقت بأسبوع يجتمع الناس في هذا السوق في الجنة.
قال: [(فتهب ريح الشمال)].
وريح الشمال هي ريح كانت تأتي من جهة الشام على أهل المدينة محملة بالأمطار، وكان أهل المدينة يحبونها، وينتظرونها في فصولها المؤقتة لها كما تنتظر المرأة وليدها، وهي ريح طيبة، وخيرة، تسمى ريح الشمال، أو الريح الشموأل أو الشمأل أو الشمل، هكذا يسميها العرب.
قال: [(فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم)].
وطينة الجنة، وأرض الجنة، وحصباؤها من زعفران ومسك، فهذه الرياح تأتي من شمال الجنة فتأخذها من أرض الجنة على وجوه هؤلاء الناس.
قال: [(فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم -أي: نسائهم- وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً -يعني: أول ما خرجتم من هنا ورجعتم مرة أخرى ازددتم حسناً وجمالاً، فيرد الرجال على النساء- فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً)].
وفي هذا دليل أن هذه الرياح تعم جميع أهل الجنة من كانوا في الخيام والغرف، ومن كانوا في سوق الجنة.