للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استشهاد عامر بن الأكوع يوم خيبر وقتل علي بن أبي طالب لمرحب اليهودي]

قال: [(فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر)] انظروا إلى هذا الجهد الجهيد الذي مر به الصحابة، ومع ذلك لم يخذلوا النبي صلى الله عليه وسلم، والأمة الآن خذلت رسولها أيما خذلان، ولو أن أحدنا كان مع الصحابة في ذلك الزمان لما استطاع أن يمشي معهم من مكة إلى المدينة.

قال: [(ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم: تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ -أي: من الذي يرتجز هذا الكلام الطيب- قال: أنا عامر بن الأكوع.

قال: غفر لك ربك)] وهذا الكلام يحمل معنيين: إما دعاء، وإما أنك ستموت شهيداً مغفوراً لك، وإذا قيل هذا الدعاء في القتال فيعني: أن هذا سيُقتل، كالمرأة التي أتت إلى عمر وقالت: يا أمير المؤمنين! إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل.

قال: ما أحسنه.

فقال رجل: يا أمير المؤمنين! إنها تشكوه ولا تمدحه، فقال: حيث إذ فهمتها فاقض بينهما أنت، وهذا كلام ظاهره المدح، لكن له معنى آخر.

وهذا قال له عليه الصلاة والسلام: [(قد غفر لك ربك.

قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد قال: فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله لولا متعتنا بـ عامر؟)].

فهم عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يُخبر عن مقتل عامر، فقال له: يا رسول الله! دعنا نستمتع به في القتال وفي الرجز.

قال: [(فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه)].

أي: أنه يقلب سيفه في ضوء الشمس؛ لأنهم دخلوا خيبر غداة، ولذلك حينما خرج الراعي بالإبل والبقر والغنم ورأى الجيش قال: محمد والخميس، أي: وصل محمد وجيشه، وسمي الجيش خميساً لأنه يتكون من خمسة أجزاء: ميمنة، وميسرة، ومقدمة، ومؤخرة، وبطن أو قلب.

قال: [محمد والخميس، وكان ذلك غدوة أي: بعد صلاة الفجر.

قال: (فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب).

وشاكي السلاح أي: تام القوة، أي: سلاحي في يدي في غاية القوة، لا يستطيع أحداً أن يغلبني.

قال: (قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب قال: وبرز له عمي عامر، فقال: قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر)].

أي: يركب غمرات الحرب ولا يحجم عنها ويرتكب شدائدها، ويلقي بنفسه فيها.

قال: [(فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له -أي: يضربه في أسفله- فرجع سيفه على نفسه -رجع سيف عامر على عامر - فقطع أكحله فكانت فيها نفسه)].

فظن بعض الصحابة الذين رأوا هذا المنظر أن عامراً قتل نفسه، لم يصبر على الطعنة أو الضربة التي ضربه فيها مرحب فقتل نفسه، وظنوا أنه شبيه بمن قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه ذات غزوة، حينما قال الصحابة: (إنا نرى فلاناً من أهل الجنة يقاتل في الجيش كأنه جيش لوحده.

قال: وأنا أراه من أهل النار، قال: ففزع القوم) كل من أُعجب بقتال هذا الرجل وإقدامه فزع حينما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وأنا أراه من أهل النار.

قال رجل: فتتبعته كلما عدا عدوت، وكلما وقف وقفت، حتى أصابه سهم فلم يصبر عليه، فوضع ذبابة سيفه في بطنه واتكأ عليه فخرج من ظهره فمات)] فهو الذي قتل نفسه؛ فظنوا أن عامراً كهذا الرجل، وكان هذا الرجل الذي قتل نفسه من المنافقين، أما عامر فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم له.

قال: (قد غفر لك ربك).

قال سلمة: [(فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: بطل عمل عامر -أي: لأنه قتل نفسه بزعمهم- فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله! بطل عمل عامر؟ قال رسول الله: من قال ذلك؟ قال: قلت: ناس من أصحابك.

قال: كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين)]، والكذب عند أهل السنة هو الكلام الذي لم يوافق الحقيقة سواء تعمده صاحبه أو لم يتعمده خلافاً للكذب عند المعتزلة، فإن الكذب عندهم هو ما تعمده صاحبه.

قال: [(ثم أرسلني إلى علي وهو أرمد)] أي: مصاب برمد في عينيه.

قال: [(لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله)].

عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الغزوة يقول: ما تطلعت قط