قال النووي رحمه الله تعالى:(واختلف العلماء في أي هذه الأنواع الثلاثة أفضل؟ فقال الشافعي ومالك وكثيرون: أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران).
واحتج الشافعي وأصحابه في ترجيح الإفراد بأنه صح ذلك من رواية جابر، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة، قال الشافعي: وهؤلاء لهم مزية في حجة الوداع على غيرهم، فـ جابر أحسن الصحابة سياقاً لرواية حديث حجة الوداع، وهو أضبط له من غيره، وابن عمر صح أنه كان آخذاً بخطام ناقة النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، وأنكر على من رجح قول أنس على قوله، وقال: كان أنس يدخل على النساء وهن مكشفات الرءوس، وإني كنت تحت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها، أسمعه يلبي بالحج، وعائشة هذه من أقرب المقربين إلى النبي عليه الصلاة والسلام مع كثرة فقهها وعظم فطنتها، وابن عباس محله من العلم والفقه في الدين والفهم الثابت معروف، مع كثرة بحثه وحفظه أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يحفظها غيره وأخذه إياها من كبار الصحابة، ومن دلائل ترجيح الإفراد: أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أفردوا الحج وواظبوا على إفراده، فقد أفرد أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم الحج، واختلف فعل علي فمرة أفرد ومرة قرن ومرة تمتع، وهم لم يواظبوا عليه إلا بعد أن علموا أنه أفضل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفرداً، وهم الأئمة الأعلام وقادة الإسلام المقتدى بهم في عصرهم وبعدهم، فكيف يليق بهم المواظبة على خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأما الخلاف عن علي رضي الله تعالى عنه وغيره فإنما فعلوه لبيان الجواز.
قالوا: ومما يميز الإفراد عن التمتع والقران: أن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع؛ وذلك لكماله وتمامه، ويجب الدم في التمتع والقران، وهو دم جبران، يعني: يسد الخلل والنقص الذي حصل، فمثلاً المتمتع لما أتى إلى الميقات لم يهل بحج وعمرة، وإنما أهل بعمرة، ثم أهل من مكة بالحج ولم يرجع مرة أخرى إلى الميقات مع أنه غير مطالب به، فقالوا: يصير هذا خللاً؛ لأن الأصل في الإهلال بالنسك أن يكون من الميقات، فتجاوز الشارع عن المتمتع في إهلاله بالحج من بيوت مكة أو من الحرم مقابل أن يقدم شاة أو أن يذبح هدياً.
ومنها: أن الأمة أجمعت على جواز الإفراد من غير كراهة، وأما التمتع فقد كرهه عمر وعثمان وغيرهما، ومن المعلوم أن ما أجمع عليه الصحابة خير مما كرهه بعضهم، فكان الإفراد أفضل.