وأما الدليل العقلي على نفي التكييف فهو أن كيفية الشيء لا تدرك إلا بواحدة من ثلاث: إما مشاهدة الشيء نفسه حتى يتسنى لنا أن نكيفه، وإما مشاهدة نظيره ومثيله، وإما خبر الصادق به.
فالتكييف من جهة العقل لا يمكن إلا بأحد ثلاثة أمور، الأول: أن ترى الشيء نفسه، والله عز وجل لم يره أحد من البشر، فكيف نصف النزول والمجيء والغضب والرضا وغير ذلك ونحن لم نره؟ والأمر الثاني: أن الله تعالى ليس له شريك ولا ند ولا مثيل حتى نقول: هذا المثيل والشريك والند مرئي لنا، حتى نقول عن صفة الغضب مثلاً: إن الله تعالى يغضب كغضب فلان.
وهذا لما كان ممتنعاً ومستحيلاً دل ذلك على أن هذا الطريق أيضاً طريق مغلق، وأنه لا بد من تفويض الكيف؛ لأننا لا نرى الله مشاهدة بالعين في الدنيا، كما أنه ليس له مثيل حتى نقيس الله عز وجل عليه؛ لأن الله تعالى لا يقاس بشيء من خلقه.
والأمر الثالث: أنه لم يأتنا خبر صادق عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم بكيفية النزول ولا المجيء ولا الاستواء وغير ذلك.
لما امتنع هؤلاء الثلاثة دل ذلك على وجوب تفويض الكيف إلى الله عز وجل.