قال النبي عليه الصلاة والسلام:(ما رأيت مثل الجنة، نام طالبها، ولا رأيت مثل النار نام هاربها)، قوله:(ما رأيت مثل الجنة نام طالبها) يعني: قصر في طلبها، (وما رأيت مثل النار نام هاربها) يعني: الذي يهرب من النار ينبغي أن يعمل لذلك، والذي يطلب الجنة ينبغي أن يعمل لها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(عجباً لمن يطلب الجنة ولا يأتي لها بمهرها، ويهرب من النار بزعمه وهو يقع فيما يؤدي إليها)، وقال في رواية أخرى:(يا قوم! اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم، فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها).
وقال:(إنما يدخل الجنة من يرجوها، وينجو من النار من يخافها).
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث أنس بن مالك:(يؤتى بأشد المؤمنين ضراً في الدنيا) أي: أبأس واحد في الدنيا من أهل الإيمان يؤتى به، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، وربما يكون العبد طائعاً لله عز وجل ويبتلى، وهذا البلاء أو الابتلاء على مرتبتين: إما أن تكون صاحب معصية فينزل عليك البلاء حتى يمحو الله عز وجل هذه الخطايا والسيئات، والإنسان عبد مذنب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(كل بني آدم خطاء)، وهذا لفظ عموم (وخير الخطائين التوابون) إذاً: افرض أنك عبد أخطأت ولم تدركك التوبة أولم تتب، فينزل عليك البلاء فيكون هذا البلاء كفارة لذنوبك.
ولذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام كما في رواية الترمذي من حديث أنس:(وإن الله تعالى يصب البلاء على عبده صباً حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة)، فالبلاء له قيمة عظيمة جداً، البلاء من الأدواء، والأسقام، والعلل، والأمراض، والهموم، والغموم، وغير ذلك مما يصيب العبد، فإن ذلك يصيبه لمصلحته، وإن العبد يجزع، ويفزع، ويغضب إذا نزل به بلاء، وربما تسخط القدر وسأل الله تعالى: لماذا يا رب تعمل بي ذلك؟ وهذا كفر واعتراض على الله تعالى في أقداره، وأقدار الله تعالى كلها رحمة وخير وبركة، فينبغي إذا نزل بالعبد الضر أن يؤمن بذلك، وأن يرضى به، كما يقول العلماء: الصبر على البلاء قضية كل مسلم، والرضى بالبلاء لا يكون إلا من العباد، تصور بلاءً ينزل عليك وتصبر عليه هذا هو الواجب عليك، وهذا عمل الكبار من أهل الطاعة من الأئمة والعلماء وغيرهم.
قال:(يؤتى بأشد المؤمنين ضراً -أي: يوم القيامة- فيغمس في الجنة غمسة ثم يقال له: هل رأيت ضراً قط؟ فيقول: لا يا رب، ويؤتى بأنعم أهل الدنيا -أي: من أهل الكفر- ويغمس في النار غمسة واحدة، ثم يقال له: هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا يا رب).
إذاً: هذا الحديث عند الإمام مسلم أمر مطمئن جداً للقلب، فمهما نزل بك من ضر فاعلم أن ما عند الله خير لك وأبقى، فتصور لما ينزل بك من الضر ما نزل ثم يؤتى بك يوم القيامة فتغمس في الجنة غمسة، تنسى كل بلاء، تنساه تماماً حتى يكون السائل لك هو الله عز وجل فيقول لك:(عبدي هل رأيت بؤساً قط) أي: في حياتك، فتقول: لا والله.