[حكم النذر للأموات]
النذر للأموات: جاء في كتب الأحناف: أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام، وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء تقرباً إليهم، كأن يقول: يا سيدي فلان! إن ردت ضالتي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا وكذا فهو بالإجماع باطل وحرام.
وهذا نذر معصية، ونذر المعصية لا يلزم الوفاء به، ويجب على الناذر كفارة يمين وتوبة، أي: أن يتوب من هذه المعصية؛ لأنها كبيرة من الكبائر، وهذا النذر له تعلق بالإيمان والشرك، فالتوبة فيه والاستغفار آكد وألزم مما لو نذر نذراً مكروهاً؛ لأن هذا محرم بالإجماع.
والأدلة على ذلك: أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يتقرب إلى أحد، وإنما القربى كلها لله عز وجل، وهذا يتقرب إلى مخلوق، وهذا باب عظيم من أبواب الشرك، ولو أن أحداً نذر أن يشرك بالله لم يحل له ذلك.
وفي سنة (١٩٨١م) في أحد المؤتمرات أتت امرأة إلى أحد العلماء الحاضرين في هذا المؤتمر -وأنا حاضر- وفي يدها طفل، فقالت: يا شيخ! أنا كنت أعتبر تحقيق أمر معين مستحيل، فتجرأت وقلت: لو أن الله تعالى قضى لي كذا لألقين ولدي هذا في النار، فوقع الأمر، وكان موجود بجانب الشيخ حوالي خمسة وعشرين أو ثلاثين رجل أمن دولة وعسكري وأمن مركزي، فقال لها: ألقيه في وسط هؤلاء، وهذا ذكاء شديد جداً من الشيخ، وإن كان في جانب الفقه لا يصح، ولكنه طرفة، فنذر المعصية حرام.
وجاء عند ابن الجوزي في أحد كتبه أن امرأة نذرت الزنا لو حصل لها ما تريد، فاستفتت ابن الجوزي في ذلك، وكان الواجب عليه أن يقول لها: يحرم عليك الوفاء بما نذرت؛ لأن هذا النذر في معصية، ولكنه أفتاها فتيا أخرى، وهو وإن كان فقيهاً إلا أنه جانبه الصواب في هذه الإجابة، فأفتاها بأن تظهر خصلة من شعرها؛ لأن المرأة إذا خرجت من بيتها متعطرة أو كاشفة شعرها فهي كذا وكذا، يعني: زانية، كما في رواية الترمذي، وهذا الجواب غير سليم، لكنه بيان لحقيقة الكثير من النساء، فالمرأة إذا خرجت متعطرة استشرفها الشيطان، وإذا خرجت متزينة أو متبرجة أو كاشفة شعرها أو شيئاً مما حرمه الله تعالى فالأمر كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الترمذي وغيره: (فهي كذا وكذا، يعني: زانية).
واختلف أهل العلم من الذي قال: (يعني: زانية)، هل هو الراوي، أم النبي عليه الصلاة والسلام؟ والراجح أنه الراوي، وهو أبو هريرة رضي الله عنه.
قال: النذر للأموات حرام؛ لأنه ينذر للمخلوق، وهو لا يجوز؛ لأنه عبادة، ولا تكون إلا لله عز وجل.
الوجه الثاني من أوجه الحرمة: أن المنذور له ميت، والميت لا يملك.
الوجه الثالث: أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى فاعتقاد ذلك كفر، والعياذ بالله.
وأنتم تعلمون أن عامة الصوفية أو جل الصوفية يعتقدون أن الكون يحاط بأقطاب وأوتاد يتصرفون في الكون، بل يرفعون السيد البدوي حتى على الحسين، فهم يقرون أن الحسين صحابي، وأنه من نسل النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن سر السيد البدوي عظيم أكثر من الحسين، وهذا مشاهد، وهم يقولون هذا، حتى أن سخفاءهم وسفهاءهم صنفوا الكتب ليثبتوا الكرامات لأنفسهم، ويقولون: لقد ذهبنا إلى قبر الحسين وإلى قبر البدوي، فلما سلمنا على البدوي أخرج يده من تحت القبر فسلم علينا ثم ردها، وهؤلاء يخاطبون جهلاء أجهل منهم، وأغبياء وحمقى.
وشخص آخر يعبد الشعراني من دون الله عز وجل، ويقول: أقسم بالله العظيم أنني شققت بالأرض طريقاً من بيتي إلى قبر الشعراني، وكلما ضربت الأرض خرج بحر من الدم.
ولو قرأت في كتاب طبقات الشعراني فإنك تجد في كل ترجمة ممن يترجم لهم خزي وعار من زنا ولواط وسرقة وغش وخداع، وما من ترجمة في هذا الكتاب إلا وفيها عار وشنار، ويستحي المرء أن يقول: إن هذا الكتاب من كتب أهل الإسلام.
ولا شك أن من نذر لهؤلاء فإنه يلزمه الكفارة والتوبة إلى الله عز وجل.
والتصوف في المغرب أعتى من التصوف في مصر، بل أصل الانحراف والضلال إنما أتى من بلاد المغرب على يد الفاطميين، فتجد أن الواحد منهم ينذر قربة للأحياء، ولو أنه أوصل إلى الحي قربة لله عز وجل لصح نذره، فلو قال: يا رب! لك علي ذبح شاة وسلخها وتوزيع لحمها، أو إعطاء لحمها لفلان إن عافيتني، لكان جائزاً؛ لأنه نذر أن يتقرب إلى الله، لا إلى هذا الحي، ولكنهم في المغرب يجعلون الحي محلاً للنذر، أما جعل الميت محلاً للنذر فهذا هو عمل المصريين في موسم الحج، وكذلك الإيرانيين، فمن وجب عليه هدي المتمتع أو القارن أو الفداء لمن فرط في واجب من واجبات الحج فعليه دم، وهذا الدم فداء لمن فرط في واجب من واجبات الحج للمتمتع أو القارن، فيقول أحدهم: لن أذبحه هنا