للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض من غلب لقبه على اسمه من الرواة]

وقد غلبت بعض الألقاب على جماعة من أهل العلم على أسمائهم، فاقتصر الناس على ذكر ألقابهم في الرواية عنهم، فمنهم غندر وهو محمد بن جعفر البصري، فلو قلت: حدثنا محمد بن جعفر لسئلت: من محمد بن جعفر؟ ولو ذكرت اسم جده وجد أبيه ونسبه، ولكن لو قلت: حدثنا غندر، لعرف أنه محمد بن جعفر خاصة إذا كان هذا اللقب يذكر في إسناد أهل البصرة؛ لأن الملقب بغندر كثير، ولكنه إذا جاء في إسناد أهل البصرة فإنما هو محمد بن جعفر، والذي لقبه بهذا ابن جريج المدني، وابن جريج كان مدلساً، فنزل البصرة ذات مرة، فحدث بأشياء عن الحسن البصري، ومعلوم أن غندر أعلم بحديث الحسن من ابن جريج؛ لأنه بلده، فكلاهما بصري، فلما حدث ابن جريج عن الحسن بكلام لا يعرفه غندر كان يقاطعه، ويقول: يا شيخ! من أين أتيت بهذا، خاصة وأن ابن جريج مدلس، فكان كلما تكلم بكلام لا يعرفه محمد بن جعفر شغب عليه وشوش عليه وقال: من أين أتيت بهذا؟ فقال ابن جريج: اسكت يا غندر! أي: يا مشاغب! فلقب به، وأهل المدينة يقولون للمشاغب: غندر.

ومنهم لوين وهو لقب، وهو محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي، قال ابن جرير: إنما لقب المصيصي بـ لوين لأنه كان يبيع الدواب ببغداد، ويقول: هذا الفرس له لوين، هذا الفرس له قديد، فلما كثر قوله: هذا الفرس له لوين لقب بـ لوين.

ومنهم مشكدانة، ومنهم عارم، وعارم هو شديد البأس والطيش، ومنهم سعدويه، وهو سعيد بن سليمان الواسطي، قال أحمد بن يونس بن سنان الرقي: قدمت العراق في طلب العلم فصرت إلى البصرة، ثم صرت إلى بغداد، ثم صرت إلى أبي نعيم -وهو الفضل بن دكين شيخ البخاري - في الكوفة، فقال لي أبو نعيم: ممن أنت؟ قال: قلت: من أهل الرقة، قال: فقال لي: وفيم قدمت؟ قال: قدمت إلى العراق في طلب العلم، قال: فقال لي: وإلى أين صرت؟ قال: قلت له: إلى البصرة، قال: فمن محدث البصرة؟ قال: قلت له: مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن أرندل بن فرندل بن عرندل الأسدي البصري، أبو الحسن الحافظ، وقد قال الحافظ ابن حجر: ليس هذا اسمه ألبتة، ولكنه من صنع الذين يتفكهون، وإنما هو معلوم بأنه: مسدد بن مسرهد الأسدي البصري أبو الحسن، وبقية الأسماء غريبة جداً قال أبو نعيم: لو كان في هذه النسبة بسم الله الرحمن الرحيم لكانت رقية العقرب! يعني: لو أضفت إلى هذا بسم الله الرحمن الرحيم، لظن القارئ لها أنها تنفع من لدغة العقرب، وهذا استبعاد لأن يكون مسدد هذا اسمه.

ثم قال لي: وإلى أين صرت؟ قال: إلى بغداد، قال: فمن محدث بغداد؟ قلت: سعدويه، قال: فمن قاضيهم؟ قلت: شعبويه -أي: الشعبي - قال: فمن قاصهم -أي: واعظهم-؟ قال: سيفويه.

قال: سبحان الله! ويحك وتمطرون مع هذا؟! أي: وينزل عليكم المطر من السماء مع هذا كله؟ وهذا فيه جواز ذكر الرجل بلقبه إن لم يعرف إلا به.

ومنهم صاعقة، وهو محدث كبير، واسمه محمد بن عبد الرحيم البغدادي أبو يحيى، قال الكرجي: سمي صاعقة؛ لأنه كان جيد الحفظ، وكان أستاذ ابن خراش، وابن خراش له مكان في العلم عظيم، وهذا كان أستاذه، ولقب بـ الصاعقة لأنه ما ناظر أحداً إلا وغلبه، كالإمام الشافعي قال عنه تلميذه الربيع: ما ناظر الشافعي أحداً إلا ورأيت أنه كالسبع يلتهمه.

ومنهم مطين وهو لقب، فإذا ذكر فقد علم أنه محمد بن عبد الله الحضرمي قال أبو نعيم الحافظ: بلغني عن أبي جعفر الحضرمي قال: كنت ألعب مع الصبيان في الطين، وقد تطينت -أي: أصابني الطين والوسخ- وأنا صبي لم أسمع الحديث -أي: ما زلت صغير- إذ مر بنا أبو نعيم الفضل بن دكين وكان بينه وبين أبي مودة وصحبة، فنظر إلي فقال: يا مطين! قد آن لك أن تحضر المجلس لسماع الحديث، ثم حملت إليه بعد ذلك بأيام، فإذا هو قد مات.

ومنهم نفطويه وهو أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرعرة النحوي إمام النحو، قال عنه الذهبي عليه رحمة الله في السير: العالم ال