من مميزات البخاري على مسلم أن مسلماً رتب كتابه على الأبواب، فهو مزود، أي: أن مسلماً حينما أراد أن يرتب الكتاب الصحيح رتبه على الأبواب، ولكنه لم يبوب، يعني: لم يذكر: باب كذا وكذا، ولكن الذين أتوا من بعده وشرحوا الصحيح هم الذين بوبوا؛ ولذلك مع كثرة شروح الإمام مسلم وكثرة التبويب وكل شارح يبوب حسب ما يتراءى له من فوائد وأحكام صار منها الجيد ومنها الرديء؛ لأنها ليست من صنع الإمام، أما الإمام البخاري فيختلف، إذ هو الذي ذكر تراجم الأبواب، وهو الذي بوّب لأبوابه وكتبه.
ولذلك فإن البخاري ليس محدثاً فحسب، وإنما تلحظ أن الإمام البخاري فقيه بمجرد التبويب، ولو أنك نظرت في كتاب الإيمان، أو في كتاب الصلاة، أو في كتاب العتق، أو في كتاب الرق، أو في أي كتاب من الكتب لوجدت أن مجرد عناوين الأبواب دالة على فقه الإمام البخاري، فـ البخاري لم يكن محدثاً فحسب، ولكنه كان فقيهاً إلا أنه غلب عليه الحديث، كما كان الإمام أحمد بن حنبل وهو شيخه كذلك، كان محدثاً عظيماً، وكان فقيهاً كذلك، والإمام الشافعي كان محدثاً، ولكنه غلب عليه الفقه، والإمام أبو حنيفة كان محدثاً وغلب عليه الرأي والفقه، والإمام مالك صاحب الموطأ كان محدثاً وهو أول من صنّف في الصحيح على الإطلاق، ولكنه أيضاً غلب عليه الفقه، وهذا يُرد به على الذين يريدون أن يطعنوا في علمائنا حين يقولون عنهم: المحدثون ليسوا فقهاء، والفقهاء ليسوا محدثين، فأئمتنا كانوا محدثين وفقهاء في الوقت نفسه.