للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التوبة عند المعتزلة]

وجوب التوبة عند المعتزلة فبالعقل؛ لأن العقل أصل عند المعتزلة، وهذا أمر قد تكلمنا فيه كثيراً، ولا داعي لذكر بعضه، ولذا فأقول: إن أدلة التوبة عند المعتزلة عقليه، أما أدلة التوبة عند أهل السنة فهي سمعية أو نقليه، أي: قال الله، قال رسوله.

فلو قلت لشخص ما: يا أخي! إن الزنا حرام.

فرد عليه قائلاً: إنه ليس بحرام، حتى يقول: ما دام أنه برضا المرأة فالرجل في مقام زوجها! ثم تقول له: قال الله كذا، وقال الرسول كذا، وقال ابن تيمية كذا، وقال أحمد بن حنبل كذا، وقال ابن القيم كذا، وتأتي له بأدلة من الكتاب أو السنة أو إجماع أهل العلم أو القياس على حرمة الزنا، ومع ذلك فهو باق على معصيته، ثم إذا أصيب بالزهري أو السيلان، هذان المرضان اللذان يفتكان بالعبد، ولا يصاب بهما إلا من قبل الزنا، وسبحان ربي! فالمرء يجامع امرأته فلا يصاب بهذا، ويجامع غيرها فيصاب، إنه أمر خطير جداً ينبغي التوقف عنده، ومع أن العملية أو الوصال أو الإتيان واحدة، لكن هنا يبارك له فيه، وهناك لا يبارك له فيه، أمر عجيب جداً! وقدرة إلهية عجيبة! ثم إذا ذهب إلى الدكتور، وقال له الدكتور: خطر الزنا من الناحية الطبية على الأعضاء، أو على البدن، أو على النفس كذا وكذا، وأخذ يعدِّد له النتائج الوخيمة للزنا، حتى يقنع ببشاعة وحرمة الزنا، وحتى يقول: إن هذا الكلام معقول جداً، وبالتالي أنا سوف أمتنع عن الزنا، فهو قد امتنع عنه عقلاً لا نقلاً، لكن قبل ذلك قلنا له: قال الله، قال رسوله، فلم يقبل، فهذا يكون قد امتنع عن الذنب على مذهب المعتزلة، وبالتالي فتوبته فيها نظر.

أيضاً: لو أن شخصاً مولعاً بالتدخين، ثم قلت له: قال الله، قال رسوله، ولم يمتنع عن التدخين، حتى جاء إليه شخص آخر بأسلوب علمي، فذكر له أن التدخين سبب في أمراض خطيرة جداً، كالقلب والرئتين وغيرهما، فامتنع عن التدخين، فإن كان امتنع عن التدخين لأدلة الكتاب والسنة فتوبته مقبولة، وإن لم يرجع عن ذنبه إلا لهذا دون النظر إلى تحريم الله عز وجل، وتحريم الرسول، فلا شك أنها ليست توبة، وهو على خطر عظيم، ولا يجب على الله قبولها؛ لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء، وإذا أوجب الله تبارك وتعالى على نفسه شيئاً فإنما هذا فضل من الله عز وجل أوجبه على نفسه، كما في حديث معاذ بن جبل: (أتدري ما حق العباد على الله؟ -أي: حق العباد على الله إذا أتوا بالتوحيد-قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: أن يغفر لهم).

يعني: إذا كانوا موحدين فالجزاء: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ -وأعظم الإحسان هو توحيد الله تبارك وتعالى - إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:٦٠]، والإحسان هو التوبة والمعفرة.

فإذا كان الأمر كذلك فإنه ليس لأحد أن يوجب على الله شيئاً، وإنما يوجب الله تبارك وتعالى على نفسه ما يشاء، كما أن الله تبارك وتعالى حرم علينا أن نقسم بغير ذاته وأسمائه وصفاته، حرم علينا القسم بغير هذا، وأقسم هو بالمخلوقات سبحانه وتعالى، فأقسم بالشمس، والضحى، والقمر، والليل، والعصر، وهذه كلها مخلوقات، فله أن يفعل ما يشاء، فله أن يقسم بالعظيم من مخلوقاته، مع أنه لا يحل لنا قط أن نقسم بالشمس، ولا بالقمر، ولا بالنجم، ولا بالأنبياء، ولا بالمرسلين، ولا بالملائكة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (من أقسم بغير الله فليقل: لا إله إلا الله)، أي: كفارة من أقسم بغير الله عز وجل أن يقول: لا إله إلا الله.