[بيعة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة وبيعة سلمة خاصة]
قال: [(ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشجرة)] أي: عند جذع الشجرة، جلس عندها وطلبنا لنبايعه.
قال: [(فبايعته أول الناس -كنت أول من بايع- ثم بايع وبايع)] أي: ثم بايع فلان وفلان وفلان، وهكذا.
قال: [(حتى إذا كان في وسط من الناس قال: بايع يا سلمة! قال: قلت: يا رسول الله قد بايعتك في أول الناس قال: وأيضاً)] أي: وبايع أيضاً الآن.
قال: (ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلاً) وهي الرواية الفصيحة.
يقال: فلان عزل وفلان عزب، ويمكن فلان أعزل.
أي: لا سلاح معه، وفلان أعزب أي: لا زوجة له.
لكن الفصحى: فلان عزل، وفلان عزب.
قال: [(ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلاً -يعني: ليس معه سلاح- فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة أو درقة -هما شبيهتان بالترس- ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال: ألا تبايعني يا سلمة -وهذه المرة الثالثة- قلت: يا رسول الله! قد بايعتك في أول الناس وفي أوسط الناس قال: وأيضاً -يعني: تبايعني الثالثة- فبايعته الثالثة.
ثم قال لي: يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟ -يعني: أين الترس الذي أعطيتك إياه؟ - قال: قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلاً)] أي: عامر بن الأكوع وهو أخوه، بعض الروايات أثبتت أنه أخوه، وبعض الروايات أثبتت أنه عمه، فـ الحافظ يجمع بين الروايتين بأنه عمه وأخوه في الرضاعة.
قال: [(لقيني عمي عامر عزلاً فأعطيته إياها)] مع أن هذا ترس النبي عليه الصلاة والسلام ولا يمكن لأحد أن يفرّط فيه، ومع هذا أعطاه سلمة لعمه عامر.
قال: [(فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنك كالذي قال الأول -أي: أنت كالذي قال في أول الزمان- اللهم أبغني حبيباً هو أحب إلي من نفسي)].
ولكني أرى هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك، والضحك إقرار، فكأنه أقره على إهداء الهدية، وهذا يصحح قول العامة: إن الهدية لا تهدى ولا تباع، فالهدية تهدى وتُباع، وبمجرد أن استقرت في ذمة المهدى إليه صارت ملكاً له، وللمالك أن يتصرف فيما يملك بأي وجه من أوجه التصرف الحلال، ومنها البيع والهدية.