للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح]

الباب الرابع والعشرون: (باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح).

أي: حين حصل لهم الغنى بسبب الفتوح، فالجهاد باب عظيم للشباب، والذي لم يجد ما يتزوج سيجد بعد ذلك، والذي لم يجد ما يحج سيحج بعد ذلك.

فـ سعد بن أبي وقاص هو الذي قال: لقد رأيتني سادس ستة أو سابع سبعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس لنا طعام إلا ورق الشجر، ثم يصير الأمر معهم حتى يصير ملكاً من ملوك الدنيا، وهذا بسبب الجهاد.

قال: [وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى التجيبي قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: (لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء -أي: خرجوا من أمولاهم وأهليهم وتجارتهم وكل شيء لله تعالى- وكان الأنصار أهل الأرض والعقار -أي: أهل زراعة وحرث وماشية، خلافاً لأهل مكة فإنهم أهل تجارة- فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام)].

وهذه هي النصرة التي لا يستطيع أن يعملها إلا رجل بمعنى الكلمة.

والحقيقة أنه ورد في تراجم كثير من أهل العلم أنهم إذا نزل بهم ضيف من أهل العلم يفعلون معه هذا، كما فعل عبد الرزاق الصنعاني مع أحمد بن حنبل حين نزل عليه في صنعاء، فقال له عبد الرزاق: إنا أهل حرث وزرع، وإننا نتكل على غنيمتنا -أي: على زرعنا وثمارنا- في موسمها -أي: إذا حُصدت- فلك نصفها.

قال أحمد: لو أخذت من غيرك لأخذت منك.

الشاهد أن عبد الرزاق عرض عليه نصف الثمار.

وهكذا الأنصار فعلوا مع المهاجرين، حتى ثبت عن أحدهم أنه قال: ولي زوجتان انظر إليهما أُطلّق أجملهما لتتزوجها.

وهذا أمر جائز، وليس فيه ما يتعلق بالتحليل أو التحريم.

قال أنس: (لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفونهم العمل والمئونة)] أي: أن المهاجرين يعملون مزارعين عند الأنصار.

قال: [(وكانت أم أنس بن مالك وهي تدعى أم سليم وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة وكان أخاً لـ أنس لأمه، وكانت أعطت أم أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقاً لها -جمع عذق وهي النخلة- فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد).

قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم)] منائحهم: جمع منيحة.

وهي المنحة والعطية.

أي: ردوا ما كانوا قد أخذوا منهم؛ لأنهم غنموا مغانم عظيمة من خيبر فصاروا أغنياء.

قال: [(فرد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي عذاقها -أي: نخلها- وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه)].

والحائط: البستان؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام حينما رجع إلى المدينة طلب من أم أيمن أن تعطي النخلة التي أعطاها لـ أم سليم فأبت ذلك ظناً منها أنها هبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن الرجوع في الهبة، وكانت أم أيمن في منزلة أم النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنها الحاضنة والمربية له عليه الصلاة والسلام، فهي ظنّت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها هذا على سبيل التملك الدائم.

قال ابن شهاب: [وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لـ عبد الله بن عبد المطلب -أي: أنها كانت مولاة وخادمة لـ عبد الله والد النبي عليه الصلاة والسلام- وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما توفي أبوه، فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر].

قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحامد بن عمر البكراوي ومحمد بن عبد الأعلى القيسي كلهم عن المعتمر، وهو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي عن أبيه عن أنس: (أن رجلاً كان يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات من أرضه، حتى فتحت عليه قريظة والنضير، فجعل بعد ذلك يرد عليه