للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث أبي هريرة في طواف سليمان بن داود على نسائه في ليلة واحدة]

قال: [حدثني أبو الربيع العتكي وأبو كامل الجحدري فضيل بن حسين واللفظ لـ أبي الربيع، قالا: حدثنا حماد بن زيد البصري، حدثنا أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري عن محمد بن سيرين البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان لسليمان ستون امرأة، -أي: سليمان بن داود عليهما السلام- فقال: لأطوفن عليهن الليلة)].

الطواف كناية عن الجماع، كأنه قال: لأجامعن نسائي الليلة كلهن.

ثم قال: [(فتحمل كل واحدة منهن، فتلد كل واحدة منهن غلاماً فارساً يقاتل في سبيل الله، فلم تحمل منهن إلا واحدة، فولدت نصف إنسان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان استثنى؛ لولدت كل واحدة منهن غلاماً فارساً يقاتل في سبيل الله)].

يعني: لو قال: إن شاء الله.

قال: [وحدثنا محمد بن عباد وابن أبي عمر واللفظ له، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير المكي عن طاوس بن كيسان اليماني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه أو الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل، ونَسِي)].

وفي رواية: (ونُسِّي).

فقوله: (صاحبه أو الملك) يعني: ربما يكون أحد أصدقائه، وربما يكون القرين من الملائكة.

ثم قال: [(فلم تأت واحدة من نسائه، إلا واحدة جاءت بشق غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً له في حاجته)] أي: كان لحاقاً له في حياته.

قال: [وحدثنا ابن أبي عمر العدني محمد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو نحوه.

وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليمني أخبرنا معمر بن راشد البصري اليمني عن عبد الله بن طاوس عن أبيه طاوس عن أبي هريرة قال: (قال سليمان بن داود: لأطيفن الليلة على سبعين امرأة)].

(أطيفن) و (أطوفن) هما لغتان فصيحتان.

قال: [(لأطيفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل، فأطاف بهن، فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته)].

أي: كان دركاً ولحاقاً لتحقق مراده، وهو أن يرزق من كل امرأة بولد، ولكنه لم يرزق من أي امرأة بإنسان؛ لأنه لم يقل: إن شاء الله، ولم يستثن.

قال: [وحدثني زهير بن حرب - أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد- حدثنا شبابة -وهو ابن سوار المدائني نسبة إلى المدائن ببلاد فارس- حدثني ورقاء -هو ابن عمر اليشكري أبو بشر الكوفي نزيل المدائن- عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة)].

بعض الحمقى وإن شئت فقل: بعض الملاحدة يرد هذا؛ وحجته في ذلك أمران: الأمر الأول: اضطراب هذه الروايات، مرة ذكر تسعين، ومرة سبعين، ومرة ستين، وفي غير الصحيح أكثر من تسعين، كما جاء في رواية: (لأطوفن الليلة على نسائي التسع والتسعين)، وفي رواية: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة)، قال: هذا اضطراب.

الأمر الثاني: كيف لرجل أن يطوف على هذا العدد، وهذا معلوم استحالته في حق أي بشر.

و

الجواب

أن هذا العدد له مفهوم يسمى عند الأصوليين: مفهوم العدد، فهل مفهوم العدد حجة؟ مذهب جماهير الأصوليين أن مفهوم العدد ليس بحجة، وإنما المراد منه الكثرة، وليس المراد اعتبار عين العدد، كما لو قلت لصاحبك: أنا اتصلت بك مائة مرة، أو أتيتك للزيارة مائة مرة ولم أجدك، وفي حقيقة الأمر أنت ما أردت تحديد العدد، أنك حقاً أتيت مائة مرة عداً، وإنما أردت أن تخبره أنك أتيته كثيراً.

إذاً: مفهوم العدد عند جماهير العلماء ليس بحجة، وإنما المراد ذكر الكثرة؛ هذا أحد وجوه الرد.

الرد الثاني: أن سياق الروايات ليس سياق حصر، قال: (لأطوفن الليلة على ستين امرأة)، وفي رواية: (سبعين امرأة)، وفي رواية: (تسعين امرأة)، وفي رواية: (تسعة وتسعين)، وفي رواية: (مائة) فهل ثبت أن سليمان بن داود كان مت