للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى إحصان الأمة والرد على شبهة مصطفى محمود في ذلك]

قال: (وفي الحديث الآخر: (أن علياً رضي الله تعالى عنه خطب فقال: (يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهن ومن لم يحصن).

قال الطحاوي: وفي الرواية الأولى لم يذكر أحد من الرواة قوله: (ولم يحصن) غير مالك وأشار بذلك إلى تضعيفها.

وأنكر الحفاظ هذا على الطحاوي.

قالوا: بل روى هذه اللفظة أيضاً: ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما قال مالك، فحصل أن هذه اللفظة صحيحة، وليس فيها حكم مخالف؛ لأن الأمة تجلد نصف جلد الحرة، سواء كانت الأمة محصنة بالتزويج أم لا.

وقوله هنا: (محصنة بالتزويج) من أجل أن يبين أن الإحصان المذكور في الآية وهو التزويج؛ لأن بعض أهل العلم قال: الإحصان هو الإسلام، فبين هنا أن القول الراجح من أقوال المفسرين: أن الإحصان المقصود به: التزويج.

قال: (وفي هذا الحديث بيان من لم يحصن، وقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:٢٥] فيه بيان من أحصنت، فحصل من الآية الكريمة والحديث بيان أن الأمة المحصنة بالتزويج وغير المحصنة تجلد -إذاً: الأمة سواء كانت محصنة أو غير محصنة فالحكم فيها الجلد- وهو معنى ما قاله علي رضي الله عنه وخطب الناس به قال: (أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهن ومن لم يحصن) -أي: الاثنين سواء- فإن قيل: فما الحكمة في التقييد في قوله تعالى: (فإذا أحصن) مع أن عليها نصف جلد الحرة سواء كانت الأمة محصنة أم لا؟ ف

الجواب

أن الآية نبهت على أن الأمة وإن كانت مزوجة لا يجب عليها إلا نصف جلد الحرة).

يعني: ألا تعرفون أن الأمة إذا لم تتزوج تجلد على النصف من جلد الحرة؟! وهذا أحد المناهج، فإذا كنتم تعلمون ذلك فاعلموا أن هذا حكم جار حتى في حق الإماء بعد الإحصان، وهذا الذي نبهت عليه الآية.

قال: (لأنه الذي ينتصف -أي: الجلد دون الرجم- وأما الرجم فلا ينتصف، فليس الرجم مراداً في الآية بلا شك، فليس للأمة المزوجة الموطوءة في النكاح حكم الحرة الموطوءة في النكاح، فبينت الآية هذا؛ لئلا يتوهم أن الأمة المزوجة ترجم).

وبهذا نكون رددنا على شبهة مصطفى محمود.

قال: (وقد أجمع أهل العلم على أنها لا ترجم سواء كانت محصنة أو غير محصنة، وأما غير المزوجة فقد علمنا أن عليها نصف جلد المزوجة بالأحاديث الصحيحة، منها حديث مالك هذا، وباقي الروايات المطلقة: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها) وهذا يتناول المزوجة وغيرها.

وهذا الذي ذكرناه من وجوب نصف الجلد على الأمة سواء كانت مزوجة أو لا، وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير علماء الأمة.

وقال جماعة من السلف: لا حد على من لم تكن مزوجة من الإماء والعبيد، ممن قاله: ابن عباس وطاوس وعطاء وابن جريج وأبو عبيدة).

إذاً: الأمة غير المحصنة إذا زنت عقابها توبيخ ولوم وتأديب -أي: من باب التعزير- وهذا مذهب ثالث.

وهذه المذاهب الثلاثة قد ذكرها الإمام ابن كثير عليه رحمة الله بالتفصيل في شرح هذه الآية من سورة النساء، فيمكنك الرجوع إليها.