[كلام النووي في شرح أحاديث باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه]
قال: (ومعناه: أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند نزع الروح في حالة لا تقبل فيها توبته ولا غيرها، فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو سائر إليه وما أعد له، ويكشف له عن ذلك، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله؛ لينتقلوا إلى ما أعد الله لهم، ويحب الله لقاءهم، فيجزل الله لهم العطاء والكرامة.
وهو تفسير لمحبة الله.
أي: يجزل لهم العطاء والكرامة).
إذاً: فسر النووي المحبة بالعطاء والكرامة.
قال: (وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه؛ لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم).
أي: يبعدهم عن رحمته وكرامته.
فمعناه: أنه فسر كراهة الله عز وجل للكافرين بالحرمان من الثواب، والطرد من الرحمة والكرامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا تأويل فاسد؛ لأن الله تبارك وتعالى يحب ويكره، والمحبة ثابتة له، والكراهة ثابتة له، لكنها محبة تليق بجلاله وكماله، وكراهة تليق بجلاله وكماله، لكنهم أولوا ذلك لأن الواحد لما يكره يحصل له انفعالات نفسية وتغير في الدورة الدموية وشعور بالهم والحزن، فهم يتصورون أن الكراهة في حق الله تستلزم هذا، فلما كان هذا محال في حقه تبارك وتعالى يلزم تأويل الكراهة على غير الكراهة المعروفة لدينا، وهذا ليس بلازم، وإنما الذي يلزم من ذلك: إثبات الكراهة لله، والفضل لله، لكن على القدر اللائق بالله عز وجل.
وأنتم تعلمون أن صفة الحب والكراهية والبغض ثابتة لله عز وجل، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها).
وحصل تأويل لهذا الحديث من الإمام النووي، ونقل كلام العلماء تأويلاً.
وشيخ الإسلام ابن تيمية يحذر تحذيراً أكيداً فيما يتعلق بالحب والبغض والكراهة وغير ذلك فيقول: إن الكتاب والسنة وإجماع المسلمين أثبت محبة الله لعباده المؤمنين، ومحبتهم له؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥].
وقوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤].
وقوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة:٢٤].
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:٤].
وقوله: {يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:١٩٥].
وقوله: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:٢٢٢].
وقوله: {يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:٤٢].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).
قال ابن تيمية: (وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على إثبات محبة الله تعالى لعباده المؤمنين ومحبتهم له، وهذا أصل دين الخليل إمام الخلفاء عليه السلام).
يعني: هذا أصل دين إبراهيم وأصل الحنفية السمحاء.
فنثبت لله تعالى المحبة والكراهة والبغض كما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل، ونفوض كيفية ذلك إلى الله عز وجل.