للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث كتاب ابن عباس إلى نجدة الحروري]

قال: [حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب -وهو المعروف بـ القعنبي - حدثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد -وهو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه- عن أبيه عن يزيد بن هرمز: أن نجدة كتب إلى ابن عباس].

ونجدة هو نجدة الحروري من زعماء الخوارج، وكان ابن عباس يبغضه أشد البغض لبدعته، ولكن نجدة [كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال، فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علماً ما كتبت إليه].

أي: أن ابن عباس كان يكره نجدة لبدعته وهي كونه من الخوارج الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ولكن حينما سأله عن العلم لم يمكنه كتمه فاضطر إلى إجابته، وقال: لولا أن أكتم علماً ما كتبت إليه، أي: لولا أني إذا تركت الكتابة أصير كاتماً للعلم مستحقاً لوعيد كاتمه لما كتبت إليه.

ثم أمر ابن عباس يزيد بن هرمز أن يكتب فأملاه ابن عباس وكتب خلفه يزيد.

[كتب إليه نجدة أما بعد: فأخبرني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: (كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ قد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة -أي: يعطين شيئاً كالهدية أو المنحة أو الهبة ليس سهماً؛ لأنه كان يغزو بهن لمداواة الجرحى وليس للقتال- قال: وأما بسهم فلم يضرب لهن.

وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان فلا تقتل الصبيان -أي: يا نجدة! لا تقتل الصبيان لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان- قال: وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم؟ فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه -أي: أنه ربما يكون رجل لحيته في وجهه، ولكنه لا يعرف مصلحته، فيذهب فيتصرف في ماله فيضر نفسه- ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم -أي: إذا بلغ الرشد وعلم مصلحته فقد ذهب عنه اليتم- وكتبت تسألني عن الخمس: لمن هو؟ وإنا -أي: أهل البيت بني هاشم وبني المطلب- كنا نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا ذلك)].

والمقصود بالخمس هنا: خمس الخمس الذي هو للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، فـ ابن عباس يقول: كنا نحن نعتقد أن هذا السهم لنا، لكن بني أمية أبوا علينا ذلك وقالوا: ليس لكم ذلك، إنما هو للفقراء والمساكين وابن السبيل.

قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز: أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خلال.

بمثل حديث سليمان بن بلال غير أن في حديث حاتم: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان].

حينما سأله هل كان يقتل الصبيان؟ قال: لم يكن رسول الله يقتل الصبيان.

[فلا تقتل الصبيان إلا أن تكون تعلم ما علم الخضر من الصبي الذي قتل].

فهنا ابن عباس يعرف أن نجدة هذا لا دين له ولا خلق، وإنه يقع من النصوص على مواطن الشبه، فـ ابن عباس يوقفه ويقطع عليه الطريق؛ لأنه لو قال له: إن رسول الله لم يكن يقتل الصبيان سيقول له: ولكن الخضر قتل الصبي الصغير.

إذاً: يجوز قتل الصبيان الصغار، فـ ابن عباس لم يمكّنه من هذه وسد عليه الباب.

[وزاد إسحاق في حديثه عن حاتم: وتميز المؤمن].

أي: وتميّز المؤمن من الكافر باعتبار ما سيكون.

أي: تميّز أنت يا نجدة! المؤمن من الكافر بعد البلوغ مع أنه صبي لم يبلغ بعد، فهو يريد أن يقول له: إذا كان لديك علم لدنّي تعلم به أن هذا الصبي إذا بلغ سيكون مؤمناً، وذاك إذا بلغ سيكون كافراً فاقتل الكافر ودع المؤمن، وهذا تعجيز فمن أين له ذلك؟ الله تعالى علم الخضر فيما يتعلق بالصبي الذي قتله، وليس لـ نجدة أن يتعلم ما تعلمه الخضر، فكأنه يعجزه.

قال: [فتقتل الكافر وتدع المؤمن].

قال: [حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري -أي: سعيد بن أبي سعيد - عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة بن عامر الحروري -وحروراء اسم مكان- إلى ابن عباس يسأله