للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان خصومة العباس مع علي بن أبي طالب والعلة في منع الخلفاء لهم من أخذ ميراث النبي]

قال: [فقال القوم -أي: عبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد وعثمان: أجل يا أمير المؤمنين! فاقض بينهم وأرحهم].

وكأن الخصومة كانت قديمة، وهذه الخصومة باختصار شديد: أن العباس كان يريد أن يأخذ ميراث النبي عليه الصلاة والسلام، وأن فاطمة كانت تريد أن تأخذ ميراثها من أبيها، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (نحن لا نورث -أي: معشر الأنبياء- ما تركنا صدقة) وخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وترك بنتاً وعماً، فإن الميراث يكون مناصفة؛ فلو مات ميت وترك عماً وترك ابنة فللبنت النصف وللعم النصف، فكان العباس يريد أن يأخذ نصف الفيء الذي تركه النبي عليه الصلاة والسلام، وفاطمة تريد أن تأخذ النصف، وكانا لا يريدان أن يأخذاه على سبيل الميراث؛ لأنهم جميعاً أقروا بسماعهم قوله عليه الصلاة والسلام: أنه لا يورث وإنما تركه صدقة، فكانوا يعلمون ذلك وأقروا به، لكنهم كانوا يريدون أن يقوموا في هذا الفيء مقام النبي صلى الله عليه وسلم، فخشي أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يتقادم الزمان ويظنوه ميراثاً، وخشي من بعده عمر ومن بعده عثمان حتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه خشي من ذلك حينما انتقل إليه الفيء، فكان لا يعد هذا الفيء ميراثاً، وإنما كان ينفق منه على اعتبار أنه حظ أهل البيت من الفيء، ويجب أن يُنفق في المصارف المشروعة.

فمطالبة العباس عمه ومطالبة علي بن أبي طالب بحق امرأته بنت النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن من باب الميراث، ولكن الخلفاء حينما غلب على ظنهم أنه يمكن أن يقول الناس: إن فاطمة ورثت مع وجود النص، وإن العباس ورث مع وجود النص منعوا ذلك؛ لأن العباس كان يطالب بشطر الفيء، وفاطمة تطالب بشطر الفيء، وهذا يوافق تقسيم الميراث مناصفة بين العم وبين البنت، فخشي من إدخال هذا في ذاك، فمنع الخلفاء الراشدون أن تأخذ فاطمة شيئاً حتى وإن كان على سبيل حقها في الفيء؛ لأنه يناسب تماماً حقها في الميراث ولا ميراث لها، فـ أبو بكر الصديق أغلق الباب أمامها؛ حتى لا يقول الناس: إن فاطمة ورثت، وإن أبا بكر تأثّر بذلك أو خضع في ذلك، وأراد أن يداري بنت النبي عليه الصلاة والسلام مع وجود النص، ومع أنه السامع لهذا النص من النبي عليه الصلاة والسلام؛ فمنع ذلك، ثم منعه عمر، ثم منعه عثمان ومنعه علي بن أبي طالب كذلك، وذلك حين صار هذا الفيء في يد علي في إمارته وخلافته منعه آل البيت ومنعه فاطمة رضي الله عنها، فليس في ذلك خطأ من أبي بكر ولا ممن أتى بعده.