[أمر النبي صلى الله عليه وسلم لكعب وصاحبيه أن يعتزلوا أزواجهم]
قال: [(حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي)].
يعني: تأخر نزول الوحي أربعين ليلة.
قال: [(إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك)].
فزاد غماً إلى غمه، يعني: بعد القطيعة، وهجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه له، فإنه أيضاً يعتزل امرأته.
قال: [(فقلت أطلقها أم ماذا أفعل؟)].
انظر إلى الطاعة والانقياد، فالنبي صلى الله عليه وسلم يأمره أن يعتزل امرأته، فيقول: في أي صورة هذا الاعتزال: عدم إتيانها، أم الطلاق؟ فهو مستعد حتى وإن أفضى إلى الطلاق، وهذا في منتهى الطاعة والامتثال.
قال: [(قال: لا.
بل اعتزلها فلا تقربنها)].
فرسول رسول الله يقول له هذا.
قال: [(فأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك)].
أي: قال النبي عليه الصلاة والسلام لصاحبيه نفس الذي قال له.
قال: [(فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك)].
كلمة: (الحقي بأهلك) العلماء يسمونها من ألفاظ الطلاق الضمني، فهو لفظ يحتمل وقوع الطلاق، ويحتمل عدم وقوعه، والضابط: النية، فلو أن رجلاً قال لامرأته: (الحقي بأهلك) وأراد بهذا اللفظ وقوع الطلاق وقع، ولو قال لامرأته: (الحقي بأهلك) ولم ينو طلاقاً لا يقع طلاقاً.
إذاً: فالألفاظ الضمنية لابد فيها من نية الحالف، أو نية المطلق، أو نية المتكلم، بخلاف الألفاظ الصريحة، فلو قال لها: أنت طالق فلا يصح أن يقول: أنا لم أكن قاصداً الطلاق؛ لأن هذا تلاعب بألفاظ الشرع، فاللفظ الصريح يقع ولا يحتاج إلى نية، بخلاف الضمني فإنه يحتاج إلى نية.
قال: [(الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر)].
وهذا تأكيد أيضاً، فهو يقول: اذهبي إلى أهلك حتى يسهل ربنا سبحانه وتعالى الأمر.
قال: [(فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وهلال بن أمية رجل كبير، عمره أكثر من سبعين سنة.
قال: (فقالت له: يا رسول الله! إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟).
أي: أنه رجل كبير لا يستطيع أن يخدم نفسه.
وانظر إلى أدب امرأته حيث قالت: [(فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا.
ولكن لا يقربنك، فقالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء)].
أي: هو لا يستطيع أن يقربها حتى وإن نزلت التوبة.
قالت: [(ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا)].
وهذا فيه دليل على أن البكاء علامة من علامات صدق التائب.
قال: [(فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك)].
أي: مثل هلال بن أمية، لكن هناك فارق كبير بين كعب بن مالك وهلال، فـ هلال رجل لا حراك فيه، وسيضيع بالفعل إذا تركته امرأته، وأما كعب بن مالك فكان رجلاً شاباً جلداً.
وكان المجاهدون مع النبي عليه الصلاة والسلام فيهم الشيخ الكبير، والشاب الصغير الذي هو فوق الخامسة عشر من عمره.
قال: [(فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول عليه الصلاة والسلام في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ قال: فقلت: لا استأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب)].
أي: وهذا هو الفارق بيني وبين هلال بن أمية.
قال: [(فلبثت بذلك عشر ليال)].
أي: بلا زوجة، ولا كلام.