فأما توحيد الربوبية فلم يكن محل إنكار عند المشركين أولاً، فقد كانوا يعلمون أن الله تعالى هو رب الأرباب، وهو الخالق الرازق المدبر لأمر خلقه وشئون كونه، ولكن اللوث دخل بعد ذلك.
ومعنى توحيد الربوبية: إفراد الله عز وجل بالخلق والأمر والملك، والأمر بمعنى التدبير، أي: تدبير الكون والخلائق.
فحتى تكون مؤمناً لا بد أن توقن بأن الله تعالى رب دون ما سواه، وأنه تعالى متفرد بالخلق، ولا خالق غيره، ومتفرد بالتدبير فلا مدبر غيره، ومتفرد بالملك فلا مالك على الحقيقة غيره، ودليل ذلك قول الله تعالى:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف:٥٤].
ووجه الدلالة من هذه الآية أنه لما قدم الجار والمجرور أفاد أن الخلق والأمر متفرد بهما الله عز وجل لا يشاركه فيهما غيره، ولو قلنا: الخلق والأمر لله لجاز أن نقول: لله ولغير الله، فتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، بمعنى: أنه لا يصرف شيء من هذا إلى غيره، وألا أداة تنبيه، فالله عز وجل يستجمع القلوب والحواس وينبههم إلى خطورة هذا الأمر، ثم قال:((لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ))، فقدم له، والأصل أنه كان في الآخر، أي: الخلق والأمر له، فلما قدم هذا الجار والمجرور على أصل الجملة دل ذلك على أن الخلق والأمر منحصر لله تعالى، وهو المتفرد بهما، ولا يجوز لأحد أن يدعي الخلق أو يدعي الأمر.
وأما الملك فدليله قول الله تعالى:{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[آل عمران:١٨٩].
ونقول في وجه الدلالة من هذه الآية ما قلناه في قول الله عز وجل:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف:٥٤].
أي: كان الأصل أن يقول: ملك السماوات والأرض لله، ولكنه قدم ما كان حقه التأخير فأفاد الحصر، أي: أن ملك السماوات والأرض لله وحده لا شريك له.