[مقدار المال الذي يوصى فيه]
فرق العلماء بين من كان يريد أن يوصي بماله: هل يشترط في المال أن يكون كثيراً أو قليلاً؟ فبعض أهل العلم قالوا: لا عبرة بالمال القليل ولا الكثير، فإن الوصية في كل المال، سواء كان قليلاً أو كثيراً؛ لأن لفظ القلة والكثرة مسألة نسبية، فمثلاً واحد ترك مائة ألف جنيه، وعنده من الأولاد عشرون، فهذا المال قليل بالنسبة إلى الورثة، وآخر ترك عشرة آلاف جنيه وليس عنده من الأولاد أحد، فهذا مال كثير بالنسبة للمال الأول، فمسألة القلة والكثرة مسألة لا يمكن ضبطها، فلا حد للكثرة والقلة، ولا من جهة القيمة المالية للمال في زمن الوقوع، فهذا أمر يصعب جداً؛ ولذلك قالوا بأن الوصية تلزم في المال القليل والكثير على السواء، وأحالوا في الكثرة والقلة على العرف، بما يتحقق مع مصلحة الورثة.
وقالوا: أما الأمور التافهة فقد جرت عادة الناس على عدم الإيصاء فيها، كيف؟ لو أن واحداً من الناس عنده مائة ألف جنيه، وله ولدان أو ثلاثة وهو يريد أن يوصي، والوصية معلوم أنها لغير الورثة؛ لأنه: (لا وصية لوارث)، فإذا أراد أن يوصي فله ذلك، لكن بعد أن أوصى بثلث المال أو ربع المال، وكان هذا المال وقت كتابة الوصية مائة ألف، دخل له ربح ألف جنيه أخرى، فهل يلزمه أن يُمزّق هذه الوصية ويكتب وصية في حدود مائة ألف وألف؟ لا يلزمه ذلك، بعض أهل العلم قالوا: يكتب مذكرات ملحقة، وبعضهم قال: بل يجدد الوصية إذا استدعى الأمر ذلك، وبعضهم قال: بل هذه الأموال التافهة أو الأشياء التافهة لا يلزمه فيها الإيصاء، وهذا الذي يشهد له واقع وحياة الناس.
قال: (ويستحب تعجيلها، وأن يكتبها في صحائف ويُشهد عليه فيها)، يعني: يأتي باثنين من الشهود الرجال أو برجل وامرأتين، ويكتب فيها ما يحتاج إليه، فإن تجدد له أمر يحتاج إلى الوصية به ألحقه بها.
قالوا: ولا يكلف أن يكتب كل يوم محقرات المعاملات وجزئيات الأمور المتكررة، ولا يلزمه ذلك.
كالإخوة الذين يحرصون على كتابة المذكرات اليومية؛ فيأخذ مذكرة يومية ويكتب: ذهبت المدرسة ثم عدت من المدرسة إلى البيت وأخذت الملف، وصليت في المسجد الفلاني صلاة الظهر، وذهبت العصر إلى الكُتّاب، ثم رجعت وغير ذلك، فهذا برنامج يومي لا يعتبر وصية من أولها إلى آخرها؛ لأنه في المسائل المتعلقة بكل جديد في حياتك، وهذا البرنامج برنامج روتيني وكلنا نمر به.
قال: (ولا يكلف أن يكتب كل يوم محقرات المعاملات وجزئيات الأمور المتكررة).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ووصيته مكتوبة عنده)، فمعناه: مكتوبة، وقد أشهد عليه بها، لا أنه يقتصر على الكتابة، بل لا يُعمل بها، وكما قلنا: إنما يُعمل بها إذا أقر بها الواصي، فمثلاً أنا الآن كتبت وصيتي وما أشهدت عليها، أو اعتبرت أن الإشهاد ليس شرطاً في صحة الوصية.
إذاً: يلزم نفاذ الوصية حتى وإن لم يتم الإشهاد عليها.
قال: (ولا تنفع إلا إذا كان أشهد عليها، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور).
وقال ابن نصر المروزي وهو الإمام الكبير العلم، له كتاب من أنفع الكتب اسمه تعظيم قدر الصلاة وهو مطبوع حديثاً، وكان أهل العلم ينقلون عنه من هذا الكتاب، وهذا الكتاب أعجوبة من أعاجيب المصنفات، وكل كلام ابن نصر المروزي بصراحة قيمة في الإنصاف والعدل.
قال ابن نصر المروزي: يكفي الكتاب من غير إشهاد، لظاهر الحديث، وابن نصر المروزي شافعي.