[شرح حديث ابن مسعود: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)]
قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث وأبو معاوية -وهو محمد بن خازم الضرير - ووكيع بن الجراح - العتكي الكوفي - عن الأعمش - سليمان بن مهران الكوفي - عن عبد الله بن مرة عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)].
وهذا يبين أن المرء لا يثبت له الإسلام إلا بالشهادتين.
قال: [(إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزان)] والأرجح (الثيب الزاني) بإضافة الياء، وإن كان هذا له وجه صحيح فصيح كما في قول الله تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:٩] ولم يقل المتعالي.
فقال: (الثيب الزاني) لأن الثيب إذا زنا فحكمه الرجم حتى الموت، وهذا إجماع أهل العلم أن الثيب إذا زنا رجم حتى الموت، ولا تصح الشفاعة هنا بأنه يدفع الدية، لأن الزنا ليس فيه دية، أما في القتل والجرح فإنه يجوز أن ننزل من القصاص إلى الدية؛ لأننا لا زلنا في حد الشرع وحكم الشرع، أما في الزنا فإن الشرع لم يشرع أكثر ولا أقل من الرجم للثيب، والثيب هو كل من نكح، والنكاح بمعنى البناء، سواء طلق أو لم يطلق، فلو أن شخصاً تزوج امرأة وبنا بها ثم طلقها يقال عنه ثيب، ويعتبر ثيباً حتى وإن وقع منه الزنا في وقت لم تكن تحته زوجة، المهم أنه باشر النساء بنكاح صحيح، ولذلك هذه المباشرة هي الموجبة للرجم، أما عدم المباشرة فهي الموجبة للجلد أو التغريب على اختلاف بين أهل العلم.
ولذلك إذا عقد إنسان عقد نكاح ولم يبن ثم زنا.
أي بغير المعقود عليها؛ لأن المعقود عليها لا يسمى زنا بل هي زوجته وإن كان لا ينبغي له إتيان هذه المرأة، فهذا أمر مخل بالمروءة والأدب، ومناقض ومناهز لأعراف المجتمعات الإسلامية.
فإذا زنا العاقد بغير المعقود عليها فإنه يجب عليه الجلد، لأنه لم يبن بهذه المرأة المعقود عليه.
قال: [(والنفس بالنفس)].
يعني: من قتل يقتل، النفس بالنفس، ويستثنى منها: نفس الكافر، والمرتد، والمحارب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يقتل مسلم بكافر).
وهذا المذهب الذي رجحناه من أقوال أهل العلم في الدرس الماضي.
قال: [(والتارك لدينه المفارق للجماعة)].
التارك لدينه.
أي: المرتد.
أما المفارق للجماعة فهذا يمكن أن يكون المقصود به هم البغاة.
وقوله: (المفارق للجماعة) ليست للتوكيد، فالتارك لدينه تعني المرتد، وأما المفارق للجماعة فإن مذهب الجماهير أن المفارق هو من فارق جماعة المسلمين، واتخذ طريقاً ليقطع الطريق، والخلاف قائم بين العلماء في (التارك لدينه المفارق للجماعة) هل هما بمعنى واحد ينطبق على عدة أعيان؟ أو أنهما عين واحد؟ ولو اطلعت على كلام الإمام النووي لوجدت الخلاف، لكن الخلاف عند البخاري في هذه المسألة واسع جداً.
والتارك لدينه في حقيقة الأمر هو مفارق للجماعة، فلا يمكن أن يكون واحداً من المسلمين قولاً واحداً.
لكن قيل: المفارق للجماعة هم البغاة.
وقيل هو: الصائل إذا بغى.
يعني: هو الصائل أي الظالم إذا اتخذ طريقاً مهجوراً وقطع الطريق.
وقيل: بل هو قاطع الطريق خاصة.
وقيل: هو الباغي الذي تميز؛ بخلاف الباغي في المصر والحي لكنه لم يخرج عن عموم جماعة المسلمين، فالبغاة المميزون كالخوارج مثلاً، فإنهم تميزوا وتحيزوا واتخذوا لهم مصراً وأعلنوا الحرب على الإمام، فحينئذ وجب على الإمام أن يقاتلهم لا لأنهم كفار وإنما لأنهم فارقوا الإمام وبغوا عليه.