للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب النهي عن الإصرار على اليمين فيما يتأذى به أهل الحالف مما ليس بحرام]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أما بعد: الباب السادس من كتاب الإيمان في صحيح مسلم: قال النووي رحمه الله: (باب النهي عن الإصرار على اليمين فيما يتأذى به أهل الحالف مما ليس بحرام).

يعني: لو حلف الرجل على أهله يميناً أن يفعل كذا أو ألا يفعل كذا، وكان أهل الحالف يتضررون من هذا اليمين ضرراً جسيماً بليغاً، والحنث في هذا اليمين ليس بمعصية فيجب عليه أن يحنث؛ حتى لا يتضرر أهله بسبب هذا اليمين.

فلو قال رجل لامرأته: والله لا تذهبي إلى بيت أهلك، ولم يقل لها: أنت طالق إن ذهبت، وإنما قال: والله لا تذهبي إلى بيت أهلك فهذا فضلاً عن مخالفته لهدي الشرع والآداب المحمدية يتنافى مع آداب الحياة الزوجية، فنقول له: كفر عن يمينك وائت الذي هو خير، فلو قال: لا، أنا أشعر بالإثم في الحنث، وأتورع عن الحنث، واستمر وأصر على هذا اليمين، فنقول له: السنة في مثل هذا أن تحنث وأن تكفر، وإصرارك على اليمين أعظم إثماً من الحنث، هذا إذا ثبت الإثم، ولا إثم في الحنث ما دمت ستكفر.

فإذا حلف الرجل على أهله يميناً يتضررون به وجب عليه أن يحنث وأن يكفر عن يمينه ما لم يكن الحنث معصية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها].

وصحيفة همام عن أبي هريرة صحيفة معروفة.

قال: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لأن يلجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله)].

فالنبي عليه الصلاة والسلام يقسم هنا مع أنه صادق بغير قسم، لكن لتوكيد الأمر، قال: (لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله)، واللجاج هو الإصرار، يعني: لئن يصرَّ أحدكم على يمينه الذي حلفه على أهله أن يفعل كذا، أو ألا يفعل كذا.

(آثم له)، يعني: أكثر إثماً وأعظم جرماً له.

(عند الله عز وجل من أن يعطي كفارته التي فرض الله)، يعني: يجب عليه أن يحنث، وأن يكفر عن هذا الحنث، وألا يعبأ بهذا اليمين بعد الكفارة؛ لأن إصراره على اليمين الذي تضرر به أهله وليس معصية لله عز وجل أعظم من الحنث.

قال النووي: (معنى الحديث: أنه إذا حلف يميناً تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه، والحنث ليس بمعصية؛ فينبغي له أن يحنث، فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه، فإن قال: لا أحنث، بل أتورع عن ارتكاب الحنث وأخاف الإثم فيه فهو مخطئ بهذا القول، بل استمراره في عدم الحنث وإدامة الضرر على أهله أكثر إثماً).